بغداد | إلى جانب مهمّة حلّ الأزمات التي يعانيها المواطنون العراقيون، تجد حكومة محمد شياع السوداني نفسها أمام مهمّة تفوقها صعوبة، تتمثّل في ما تُسمّيه القوى السُنّية والكردية «إعادة التوازن» إلى الحُكم، وخصوصاً لناحية العلاقة بين إقليم كردستان وبغداد، باعتبار أنه لا وجود لمنطقة حُكم ذاتي للسُنّة. ويأتي طرح المسألة الكردية من داخل الحكومة، بالتزامن مع استمرار القوى الكردية المهيمِنة على الإقليم بالسماح باستهداف إيران من مناطقها، تارةً من قِبل إسرائيل، وطوراً من قِبل أكراد إيرانيين معارضين، وهو ما حدا بطهران إلى قصف مواقع لهؤلاء الأخيرين الاثنين الماضي
عادت المسألة الكردية في العراق إلى الواجهة، مع استمرار «الحزب الديموقراطي الكردستاني» في لُعبته المزدوجة: من جهة، عبر العمل من داخل الحكومة الجديدة برئاسة محمد شياع السوداني، للحصول على أكبر مكاسب ممكنة، ولا سيما على صعيد تعزيز وضع إقليم كردستان؛ ومن جهة ثانية، من خلال السماح باستهداف إيران من قِبَل قوى مُعادية لها انطلاقاً من الإقليم، سواء على يد «الموساد» الإسرائيلي الذي يتّخذ من أربيل منصّة للعمل ضدّ طهران، أو المعارضين الأكراد الإيرانيين الذين يقومون بنشاط مسلّح هناك، في محاولة لتأجيج الأوضاع في المناطق الكردية داخل إيران. في هذا السياق بالذات، يمكن وضْع الزيارة التي يقوم بها منذ الاثنين، قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني، الجنرال إسماعيل قآني، حاملاً رسالة واضحة بأن على حزب بارزاني الاختيار بين العمل من داخل الحكومة العراقية لحلّ القضايا العالقة، وهو أمر «مشروع»، وبين القيام بأدوار «غير مشروعة؛ تتجاوز حدود العراق. وتزامنت الزيارة مع هجوم بالصواريخ والمسيّرات شَنّه «الحرس» على مقارّ تابعة لأحزاب كردية في قضاء كويسنجق التابع لأربيل، أَوقع قتيلاً وجرحى، وأكدت طهران أنه جاء بعد إحجام بغداد وأربيل عن اتّخاذ إجراءات لمواجهة تهديدات الجماعات الكردية، مُحمِّلةً الحكومة العراقية مسؤولية «منْع زعزعة أمن إيران» من داخل أراضيها.
حزب بارزاني دخل الحكومة بشروط من بينها تسوية القضايا العالقة بين الإقليم وبغداد


لم يَدخل الأكراد، ولا سيما «الحزب الديموقراطي الكردستاني» بزعامة مسعود بارزاني، إلى الحكومة، فقط بطلب من الأميركيين الذين لا يريدون مشكلة في العراق تؤثّر على تدفّق النفط منه، وإنما دخلوا أيضاً بشروط من بينها تحقيق أكبر قدْر من المكاسب في القضايا العالقة بين الإقليم والحكومة الاتحادية، بسبب خلاف حول تفسير المواد الدستورية التي تنصّ على تنظيم العلاقة بين الجانبَين. ويَلفت النائب عن «الحزب الديموقراطي الكردستاني»، شريف سليمان، لـ«الأخبار»، إلى «أنّنا في البيت الكردي ملزَمون بالمشاركة في هذه الحكومات، لأن هناك الكثير من المشاكل مع الحكومة الاتحادية، وعلينا تجاوزها وإيجاد الحلول لها، فضلاً عن تحقيق الأهداف الأساسية للشعب الكردي»، مضيفاً «إنّنا نتفاعل مع المكوّنات الأخرى لرفْع معاناة أهلنا في كلّ العراق وإقليم كردستان خاصة، وبدء مرحلة جديدة من إدارة الدولة وفق مبدأ التوافق والشراكة والتوازن». ويشدّد سليمان على أن «على الجميع في هذه المرحلة أن يلتزموا بالدستور والاتفاقيات التي أُبرمت في الورقة السياسية لتحالف إدارة الدولة، وكذلك البرنامج الحكومي»، مشيراً إلى أن «ما تمّ الاتفاق عليه إبّان تشكيل التحالف الخماسي هو الآن خريطة الطريق، فما هو على البرلمان من واجبه أن يقوم به في أسرع وقت، وخاصة في ما يتعلّق بإقرار القوانين الأساسية، مِن مِثل قانون مجالس المحافظات وقانونَي المحكمة الاتحادية والنفط والغاز، فضلاً عن تطبيق القوانين الأخرى كالمادة 140، واتفاقية سنجار». وبالنسبة إلى غياب «التيار الصدري» عن العملية السياسية، يستبعد سليمان ردّ فعل كبيراً من قِبَل التيار، وخصوصاً أن «هذه الحكومة سوف تبدأ مرحلة جديدة من إدارة الدولة بشكل صحيح».
أمّا على صعيد الصورة الأوسع لتوازنات حكومة السوداني، فيُعرب القيادي في «تحالف الأنبار الموحد»، محمد دحّام، في تصريح إلى «الأخبار»، عن اعتقاده بأنه «ستكون للإطار التنسيقي الحصّة الأكبر في هذه الحكومة، وسينسجم هذا مع التغييرات الكبيرة الحاصلة التي قام بها السوداني ومسّت أغلب دوائر الدولة وستمسّ حتى الإطار نفسه»، متحدّثاً عن «تنافُس كبير داخل التنسيقي، حيث ستكون الحصّة الأكبر لحزب الدعوة على اعتبار أنه أكثر ثباتاً وتنظيماً من بقيّة الأحزاب، وهذا بكلّ تأكيد سينعكس أيضاً على المكوّن السُنّي»، مستدركاً بأن «السوداني سيُوازن الأمور من خلال التأكيد على التوازن في مؤسّسات الدولة، إلّا أن ذلك يجب أن يكون مشروطاً بأن يبتعد قليلاً عن الأحزاب، فبالنتيجة سيتحمّل هو المسؤولية، ولا سيما بالتأكيد على موضوع النزاهة والشفافية في اختيار المناصب الإدارية». ويصف ما قام به رئيس الحكومة من «سحْب للكثير من الترشيحات والقوانين»، بأنه «خطوة إيجابية، ولربّما تَدفع البلد نحو إصلاح أفضل وإنهاء موضوع المحاصصة»، منبّهاً إلى أن «(رئيس ائتلاف دولة القانون نوري) المالكي يَعتبر نفسه الآن صمام أمان العملية السياسية، وهو يسعى إلى أن يقوّي نفسه ويستحوذ على أغلب المناصب الإدارية، وخصوصاً التنفيذية»، مضيفاً إنه «إذا تمّ حل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة، فسيكون الصراع قوياً، وسيكون المالكي لاعباً كبيراً في المرحلة المقبلة».