تحتكر منتخبات أوروبا وأميركا الجنوبية لقب «المونديال» منذ انطلاقته في عام 1930. بالنسبة إلى منتخبات أفريقيا، فإن الإنجاز الأكبر تمثّل بالوصول إلى الدور ربع النهائي من البطولة في ثلاث مناسبات سابقة. كان ذلك عبر الكاميرون (1990)، السنغال (2002) وغانا (2010).قامت القارة السمراء بجهود كبيرة بعدها للتحسن على المستوى الدولي، إلا أن المردود أخذ بالانحدار مع توالي نسخ كأس العالم. يعكس ذلك مونديال روسيا 2018 الذي كان بمثابة أسوأ ظهور لممثلي أفريقيا، حيث فشلت كل المنتخبات المشاركة في تجاوز دور المجموعات، وهي مصر ونيجيريا والسنغال والمغرب وتونس.
ضعف الأداء الأفريقي في العرس الكروي الكبير ليس وليد الصدفة، بل إنه نتيجة تراكمات من فساد الاتحادات المستشري والعديد من العوامل الأخرى.
يلعب سوء إدارة الموارد والبنى التحتية دوراً بارزاً في تراجع المردود الفني للاعبين، كما أن الاضطرابات الإدارية والفوضى والتغيير المستمر للمدربين دون وجود خطط بعيدة الأمد، كلّ ذلك يؤثر سلباً في وضع هذه المنتخبات ومشاركاتها الخارجية.
ومن أبرز الأمثلة على فساد الاتحادات الأفريقية، مشكلات المكافآت والمقاطعة التي ظهرت في كأس العالم 2014، والتي تصدّرت كل من الكاميرون وغانا عناوينها الرئيسية، حينها قاطع لاعبو منتخب غانا التدريبات احتجاجاً على عدم تلقيهم مستحقات، أو مكافآت التأهل إلى البطولة التي استضافتها البرازيل. استمرت المقاطعة إلى أن أرسلت الحكومة ثلاثة ملايين دولار نقداً بالطائرة. وفي البطولة نفسها، وصل لاعبو منتخب الكاميرون متأخّرين عن موعدهم بسبب خلافات حول المكافآت.
نسخة جديدة من كأس العالم تنطلق بعد أيام في قطر، تأمل من خلالها منتخبات القارة السمراء تجاوز خيبات الماضي. هناك آمال معلقة على منتخبَي السنغال والمغرب لاجتياز عتبة ربع النهائي، والمنافسة ربما على البطولة الأهم والأغلى بالنسبة إلى المنتخبات. السنغال التي تشارك للمرة الثالثة في كأس العالم تمتلك منتخباً مميزاً للغاية في ظل وجود نجم بايرن ميونيخ ساديو مانيه (التحق بالمنتخب حالياً وهو مصاب)، إضافة إلى الحارس المتألق إدوارد ميندي وغيرهما من اللاعبين الذين ساعدوا منتخب بلادهم على التتويج ببطولة أفريقيا الأخيرة.
آمال كبيرة تعلقها القارة الأفريقية على منتخبَي السنغال والمغرب

وبالنسبة إلى المغرب الذي يشارك في كأس العالم للمرة السادسة في تاريخها فهو يمتلك أسماء مميزة أبرزها أشرف حكيمي وأمين حارث وحكيم زياش وغيرهم الكثير...
في هذا الصدد، يعتقد قائد منتخب السنغال خاليدو كوليبالي أن ممثلي أفريقيا بحاجة إلى التفكير بشكل أكبر من مجرد التأهل، إلى مرحلة خروج المغلوب من المونديال. وقال مدافع نادي تشيلسي الإنكليزي الحالي ونابولي الإيطالي السابق لموقع «بي بي سي سبورت أفريكا»: «تفتقر الدول الأفريقية إلى احترام الذات والوعي بأن بإمكانها حقاً الفوز بكأس العالم. نحن نعتبر أن تجاوز مرحلة المجموعات أمر جيد، لكن يجب أن نضع أهدافاً أعلى لأنفسنا». وأضاف: «لا أعتقد أن المنتخب الفرنسي أو الإنكليزي سعداء بتجاوز دور المجموعات، إنهم يريدون الذهاب إلى أبعد من ذلك. يجب أن تكون لدينا العقلية نفسها. هذا ما أحاول أن أحضره إلى السنغال. أعتقد أن الوقت قد حان لأن يفوز بلد أفريقي بكأس العالم، لأننا قارة موهوبة للغاية. لدينا لاعبون رائعون».

تغييرات واعدة
العديد من المؤشرات الإيجابية برزت خلال السنوات القليلة الماضية، والتي تعد ربما بتحسن ملحوظ في المستقبل القريب. تغيرت أساليب إدارة الأجيال الصاعدة في كرة القدم الأفريقية، وانضم في الفترة الأخيرة العديد من اللاعبين الشبان الذين ولدوا وتأسّسوا في أوروبا، إلى منتخبات بلدانهم الأفريقية الأصلية. وفي هذا الإطار يبرز نجم برشلونة وإنتر ميلانو السابق صامويل إيتو الذي بات على رأس الاتحاد الكاميروني لكرة القدم.
ترافقت هذه الظاهرة الكروية مع تراجع العديد من منتخبات النخبة على مستوى العالم، ما يفسح المجال أمام منتخبات جديدة للمنافسة، كما الحال مع منتخب كرواتيا الذي احتل وصافة المونديال الماضي. ومن أبرز المؤشرات الإيجابية، هو تطور الكادر التدريبي الأفريقي حيث أصبحت العديد من منتخبات القارة السمراء تعتمد على مدربيها المحليين في المحافل الدولية.
تبقى البنى التحتية غير المتطورة والفساد المستشري في الاتحادات أبرز ما يهدد الكرة الأفريقية، غير أن نسخة قطر قد تشهد بداية جديدة للقارة السمراء. الأيام المقبلة ستكشف الكثير.