أخرجت الانتخابات النيابية الأخيرة من المجلس النيابي عدداً من النواب والأحزاب الموالية لسوريا. كانت هذه الشريحة، وبعضها من أحزاب تقليدية، معروفة بخصومتها للمعارضة من قوى سياسية وشخصيات وقفت ضد سوريا أو حزب الله والعهد في السنوات الأخيرة. خسر هؤلاء مقاعدهم، وخرجت من المجلس النيابي كتل سياسية، لتدخل كتل أخرى، وشرائح سياسية جديدة، انقسمت بين معارضة وموالاة، و«تغييريين». هذه الشريحة التي أصبحت، بسرعة، مادة إعلامية خصبة أكثر منها سياسية، ولا تقبل نقداً أو مساءلة، تماماً كما الأحزاب السلطوية، تقدم مع كل جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية مشهداً تمثيلياً جديداً. ورغم أنها تعتبر نفسها منزّهة، وتتصرف على أنها «أم الصبي» وأبو «17 تشرين»، ينكشف تباعاً أداؤها الذي لا يزال، منذ 15 أيار، متخبطاً ومنقسماً بين نواب بعضهم يؤيد الموالاة وبعضهم يؤيد المعارضة، وبعضهم الثالث يمارس سياسة شعبوية على طريقة منظري أحزاب اليمين واليسار. وهم، منذ الانتخابات النيابية، لم يقوموا بخطوات سياسية بالمعنى الحقيقي، إلا من باب افتعال ضجة إعلامية من دون أي أسس ومعايير واضحة يمكن البناء عليها مستقبلاً.
يمكن الكلام عن مشهدين في واقع هؤلاء مع مرور «أشهر المعمودية» الستة، بعد الانتخابات النيابية، والتي وضعتهم أمام محك انتخاب رئيس المجلس ونائبه وتسمية رئيس الحكومة وانتخابات رئاسة الجمهورية. إذ إنهم يقدمون إلى القوى والأحزاب التقليدية، على طبق من فضة، انتخابات عام 2026. ما قام به الناخبون من رد فعل تجاه الأحزاب التقليدية، من مخلفات استثمار تظاهرات 17 تشرين، انتهى مفعوله في أقل من أشهر، والأرجح إذا ما استمر الأداء الحالي على ما هو عليه، كما يظهر حتى الآن، أن يعود الناخبون إلى قواعدهم وإلى بيئاتهم التقليدية بعد تجربة لا يمكن اعتبارها ناجحة حتى الآن بأي معيار.
يشكل «التغييريون»، بالنسبة إلى المعارضة، أسوأ أنواع الهدايا السياسية المسمومة، وهي معروفة في السياسة. الأحزاب التي خرجت من المجلس النيابي كانت، «رغم مساوئها» بالنسبة إلى المعارضة، أوضح وأصدق تعبيراً في مواقفها ومعروف اتجاهها، فيما كتلة نواب «التغيير» لا يمكن التنبؤ بما قد تفعله أو تصوّت له. وهناك بين «التغييريين» من يوالي حزب الله، ويؤيده ويؤيد قوى 8 آذار ويقف في وجه كل المعارضة من دون الأخذ في الاعتبار تاريخ المعارضين سواء كانوا نواباً أو نواباً سابقين أو سياسيين بالمطلق. ومنهم من يتصرف من منطلق العداء لكل أحزاب «اليمين» بالجملة تحت مسميات «اليسار» غير المحددة هويته بوضوح. وخطورة هؤلاء أنهم يؤدون دوراً سياسياً بات مكشوفاً في أخذ القاعدة الشعبية المعارضة نحو أهداف غير بريئة في المطلق. هذه الكتلة تشكل بالنسبة إلى المعارضة أسوأ أنواع القوى السياسية التي لا ترى فيها خصماً أو حليفاً أو أنها قادرة على تحديد خطواتها.
في المقابل، ورغم أن الموالاة ترى أن عدداً محدوداً من «التغييريين» ينتهج سياسة العداء لحزب الله والتيار الوطني الحر، إلا أنها ترى في الكتلة ككل المعبر الأساسي لتفتيت المعارضة، كما حصل حتى الآن. وهذا يؤدي، على المدى البعيد، غرضه في استقطاب القاعدة الناخبة وتحقيق العودة إلى المربعات الطائفية والسياسية والحزبية. بذلك يمكن أن يكون انتخاب النواب «التغييريين» وتدجينهم وتحويلهم ظواهر إعلامية، أسهل الطرق وأفضلها للقضاء على أي حركة شعبية اعتراضية. بدليل الفورة الحزبية لكل أحزاب الموالاة رغم كل الانهيار الحاصل في الوضع المالي والاقتصادي والكهربائي، من دون أي رد فعل شعبي اعتراضي بالحد الأدنى. فهل كان يمكن أن يعاد استنهاض القوى الحزبية، ويستعيد التيار الوطني الحر مثلاً حالته الشعبية ولو في اليوم الأخير للعهد، لو كانت اندفاعة القاعدة الشعبية المعارضة المستقلة خارج الاصطفاف الحزبي على ما كانت عليه من زخم قبل ثلاث سنوات.
يقدم «التغييريون» انتخابات 2026 إلى القوى والأحزاب التقليدية على طبق من فضة


بقدر ما تتهم المعارضة نواب «التغيير» أو أكثريتهم بالاصطفاف إلى جانب الموالاة، وبقدر ما ترى الموالاة في كتلة النواب الـ13 فرصة لتفتيت المعارضة، يصبح هؤلاء كتلة سياسية تزداد خطورتها بانعكاس تجربتها الفاشلة على القاعدة الشعبية التي أوصلتها. هناك حالة شبابية واسعة رأت في التظاهرات متنفساً لها ضد الأحزاب، وأعطت أصواتها لهؤلاء النواب، ولا تزال تبرر لهم أخطاءهم المتتالية، على طريقة امتصاص الصدمة وليس عن اقتناع بخطواتهم. لكن، تدريجاً، سيكون مصير هذه القاعدة بين حدّين: الانكفاء السياسي أو العودة إلى المجتمعات الطائفية والحزبية. وفي الحالتين، يكون نواب التغيير قد قضوا على كل ما أنتجته تظاهرات 17 تشرين، فأعادوا تعويم أحزاب الموالاة والمعارضة على السواء.