في الذكرى الخمسين لاستشهاد المناضل غسان كنفاني (1936 ــــ 1972) مع ابنة أخته لميس نجم على يد الموساد الإسرائيلي، دعت «مؤسسة غسان كنفاني الثقافية» إلى سلسلة لقاءات مع الأديب الفلسطيني إبراهيم نصرالله من 8 (اليوم) إلى 12 تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي. ومن المقرّر أن يصل نصرالله اليوم، لتنطلق السلسلة معه تحت عنوان «في ذكرى غسان... مع إبراهيم نصرالله»، ويتطرّق نصرالله خلال لقاءاته إلى بعض جوانب غسان كنفاني الثقافية والأدبية والفكرية والإنسانية والفلسفية.
(هارون جيمس ــ بريطانيا)

تنطلق الجولة من بيروت وتذهب جنوباً لتُختتم شمالاً. أول اللقاءات يقام عند السادسة والربع مساء اليوم في مخيم مار الياس في «النادي الثقافي الفلسطيني». وفي اليوم التالي، سيكون نصرالله على موعد مع محبّي غسان ومتابعيه في «دار النمر» (الحمرا ـــ السادسة مساء) ليكون في العاشر من الحالي في «مركز التواصل الاجتماعي» في صيدا (الخامسة بعد الظهر). وينطلق نصرالله إلى «منتدى صور الثقافي» في الحادي عشر منه. ومن صور إلى طرابلس وتحديداً في قاعة المؤتمرات في «الرابطة الثقافية ـ نادي قاف للكتاب» حيث ستُقدّم «قراءات شعريّة إلى روح غسان»، لتُختتم الجولة في مخيم البداوي في مكتبة غسان كنفاني العامة في الثاني عشر من الشهر الحالي (عند الثانية والنصف بعد الظهر) ضمن لقاء بعنوان «تأمّلات في «رجال تحت الشمس».
وبدأت نشاطات إحياء الذكرى الخمسين لكنفاني في تموز (يوليو) الماضي، حيث أقيم معرض لأعمال غسان كنفاني التشكيلية في مبنى جريدة «السفير»في بيروت، وتمّ الإعلان عن إعادة إطلاق الموقع الإلكتروني الرسمي لكنفاني، بالإضافة إلى المواقع الرسمية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما عُرض فيلم «لماذا المقاومة؟» للمخرج الراحل كريستيان غازي، علماً أنّ الفيلم تمّ اكتشافه ضمن أرشيف غازي بعد أكثر من 50 سنة على فقدانه.

آني كنفاني: فشل القتلة في إسكاته
آني كنفاني رئيسة «مؤسسة غسان كنفاني الثقافية» قالت في كلمتها آنذاك إنّ صاحب «رجال في الشمس» كان متفائلاً دوماً؛ يؤمن بشدّة بأنّ فلسطين قريبة المنال. «لكنّ السؤال بالنسبة إليه كان: أي فلسطين؟ كان يؤمن ويناضل من أجل فلسطين ديموقراطية للجميع. كان التحرير جزءاً كبيراً من طموحاته، التحرر من القمع، تحرير اللاجئين وتحويلهم إلى فدائيين، تحرير العقول، وحتى تحرير اليهود من الصهيونية. وكان يؤمن بقوة بالتضامن عبر الحدود كلها، ويؤمن بأنه صراع عالمي. قضية غسان قضية شاملة، هي القضية الإنسانية. واختار غسان مساره. شرع بالقيام في ما يريد إنجازه. وأنا أعرف أنه راضٍ عن إنجازاته وعن المسار الذي اختاره لحياته مهما كانت قصيرة. ويقول غسان: ليس المهم أن يموت الإنسان قبل أن يحقق فكرته النبيلة... بل المهم أن يجد لنفسه فكرة نبيلة قبل أن يموت. وجد غسان فكرة نبيلة لنفسه قبل أن يموت، وكرّس حياته وأعماله لهذه الفكرة، وكان ذلك في غاية الأهمية بالنسبة إليه. إن الذين اعتقدوا أن بإمكانهم قتل غسان أو إسكاته فشلوا فشلاً ذريعاً. إن غسان سيعمّر أكثر منّا كلّنا».
تُرى إلى أي مدى ما زال غسان كنفاني بتجربته النضالية والأدبية راهناً اليوم، خصوصاً في ظل ما يحدث اليوم في فلسطين من حركات مقاومة؟ هل نجحت المؤسسة في نقل إرثه النضالي إلى الأجيال؟ وما هي المعوقات أمام المؤسسة؟ وماذا عن الأهداف المستقبلية؟ رداً على هذه التساؤلات، تقول لنا ليلى ابنة غسان: «يزداد انتشار أعمال غسان مع السنين، وتزداد قراءته ويوجد العديد من المسرحيات والأعمال الدرامية التي تحمل نتاجه واسمه، فإذا قرأ أحدهم «ورقة من غزّة» أو «رجال في الشمس»، يجدهما كأنّهما كُتبتا في يومنا الحالي. في كلّ يوم تجري الأحداث نفسها مع مهجّرين من كلّ العالم. كما يتناقل شباب اليوم عبر مواقع التواصل مقولات وأفكار غسان وبات مقروءاً أكثر مما كان وهو على قيد الحياة. ليس فقط في فلسطين والعالم العربي، بل في أوروبا وأميركا أيضاً، وتجربته النضاليّة حاضرة عند شباب اليوم، وكلّ ما فعله وتحدّث عنه لا يزال يظهر أنّه صاحب رؤية وبعد نظر، ويُظهر كم هو صادق وفعّال في نضاله، وتحليله الدقيق لكلّ تفصيل، وعاش كلّ ما فكّر به وتحدّث عنه. إرث غسان كنفاني وكتاباته ومؤلفاته موجودة ومنتشرة في كلّ مكان، وموجودة في عدد من المناهج الدراسية والجامعات في دول عدّة». تضيف ليلى أنّ المؤسسة تكمل رسالة غسان، وهي نجحت في عدد من الجوانب. أمّا التحدّيات التي تواجهها فـ«هي التحديات نفسها التي يواجهها الشعب الفلسطيني في الخارج ولا سيما في لبنان، ومن بينها الجزء المادي والصعوبات العملية». وعن الأهداف المستقبلية للمؤسسة، تشرح أنّ أبرزها هو الحفاظ على ما أنجزته «وأن نكمل بالرسالة التعليمية بكلّ النواحي وأن نحافظ على المستوى التربوي والرسالة الأساسية، ونأمل أن يأتي يوم لا نحتاج فيه إلى كلّ المؤسسات والمنظمات خارج فلسطين، وأن نكمل نهج غسان ورسالته التربوية للأطفال في فلسطين».
سلسلة لقاءات مع الأديب إبراهيم نصرالله للتحدّث عن جوانب غسان كنفاني المتعددة


تريد المؤسسة الاستمرار في نشر كلّ مؤلّفات وإرث غسان في كلّ بقعة من العالم، بحسب ليلى، «وكما قال غسان «معاً نحو تحرير الأرض والإنسان»، تبقى أهداف المؤسسة قائمة على هذا الأساس». وتوضح: «كما أعلنت المؤسسة في إطلاق الخمسينية في تموز (يوليو) الماضي، فإنّ إحياءها ليس مقتصراً على نشاط واحد، بل هي أنشطة متنوّعة على امتداد السنة، والمقصود منها تجديد واستمرار وزيادة نشر إرثه. كانت لديه أبعاد فكرية وفلسفية وتربوية وثقافية متنوّعة، وبالتالي فإنّ الأنشطة المرتبطة بإحياء إرثه ستكون متنوّعة من بينها محاضرات، وندوات، وأعمال درامية، وجوائز، ومسابقات وأطلقنا موقعه الإلكتروني وصفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي. الخمسينية بدأت في تموز 2022 وتنتهي في تموز 2023، ورسالة المؤسسة لا تنتهي بعد إحياء الخمسينية».
وعن اختيار سوى نصرالله، تشرح ليس الوحيد في إحياء الخمسينية بل هناك كثيرون خلال السنة وبعدها، ونقدّر وجود الأستاذ نصرالله معنا ونثمّن مشاركته في عدد من الأنشطة، ونقدّر حضوره ومرافقته للمؤسسة في أشكال متعدّدة».

إبراهيم نصرالله: مرّ كشهاب وعاش كشمس
نسأل نصرالله عن أهمية إحياء هذه الخمسينية، فيجيب: «أقول دوماً إنّ غسان كنفاني هو الذكرى التي أمامنا، لا الذكرى التي وراءنا، تجدّده المستمر، وانبعاثه الدائم، مبدعاً كبيراً ورمزاً نضالياً وضميراً، كلّها تتجمّع في هذه الشخصية. شخصية غسان الذي مرَّ في حياتنا كشهاب، وعاش في قلوبنا كشمس. لذا، لا أظن أن الاحتفاء بغسان قد توقف في أي يوم، منذ لحظة استشهاده، فقد كان دائماً هو اليوم التالي، كل ما يحدث في الذكرى الخمسين اليوم هو ما يقول إن غسان لم يعد اليوم التالي وحسب، بل كل سنواتنا التالية في طريقنا لتحقيق معنانا كفلسطينيين ومحبين لفلسطين ومدافعين عنها، والمعنى العميق لتحرّرنا وحريتنا اللذين تحقّقا بفعل الإبداع وبفعل الشهادة، وبفعل هذه القوة الكونية التي يعبّر عنها أدب غسان الذي لم يتجاوز اختبار النقد وحسب، بل تجاوز اختبار الزمن -أكبر النقاد- أيضاً. تجاوز اختبار تحولات الذائقة القرائية، وبقي كاتباً معاصراً لنا ولتجليات الكتابة في أرقى صورها. إنها مناسبة كبيرة لنحتضنه ونشدّ على يده ونقول له شكراً». وعمّا يعنيه له أن يكون موجوداً في هذه الاحتفالية من شمال لبنان إلى جنوبه مروراً بالمخيمات، يضيف نصرالله: «إنه تشريف كبير أعتز به، من مؤسسة ثقافية يشكل حضورها بعداً عميقاً في حياة فلسطين وحلم حريتها. وهذه الجولة ستكون أكبر جولة لي في لبنان، وهذا أمر أعتز به، فلقاء أحباء غسان يعني أنني سألتقي بغسان في كل واحد منهم. لقد شكّل غسان بالنسبة إليّ بعداً استثنائياً لمعنى الثقافة وقوتها وقدرتها على تشكيل الهوية الوطنية الإنسانية الشجاعة، وأنا أدين لغسان كثيراً، فأعماله التي قرأتها حين كنت معلماً شاباً في مطلع العشرينيات من عمري، غيّرت حياتي فعلاً، إذ كانت السبب المباشر الذي جعلني أتخذ قرار ترك عملي في الصحراء السعودية لأكون في أقرب نقطة إلى فلسطين. هذا التحول الذي أحدثه باعتباره البوصلة، كان أشبه بالحبل الذي امتد إليّ لينتشلني من حالة ما كان يمكن أن أنجو منها لأكون ما أنا عليه اليوم لو لم أمسك بذلك الحبل وأتمسك. لذا كان من الطبيعي أن يحضر غسان في أعمالي الروائية والشعرية بشخصه؛ ففي كل فرصة، أثناء الكتابة، وجدت فيها المجال لأن أقول له كم نحبك، قلت له ذلك بوضوح وامتنان، وهذا أمر سيكون جزءاً من اللقاءات التي سأتحدث فيها عنه».

* سلسلة لقاءات مع إبراهيم نصرالله عن غسان كنفاني: من 8 (اليوم) إلى 12 تشرين الثاني (نوفمبر) ــــــ اللقاء الأول اليوم عند السادسة والربع مساءً في مخيم مار الياس في «النادي الثقافي الفلسطيني» ـــــ للاستعلام: 01/311532