في القانون، يحدّد مجلس الجامعة اللبنانية خلال الأيام العشرة الأولى من تشرين الأول الموعد الرسمي لبدء العام الدراسي في كليات الجامعة ومعاهدها. لكنّ التمديد القسري للعام الدراسي الماضي حال دون ذلك، وتُركت لمجالس الوحدات حرية إصدار التعاميم الإدارية التي تُنظِّم آلية العودة الحضورية بما يتناسب وخصوصية كلّ كلية أو معهد. وكانت الدراسة انطلقت حضورياً في كلية الزراعة، وفي السنة الخامسة في كلية العلوم الطبية، فيما تعثّرت العودة الحضورية الكاملة في كلية الهندسة بسبب الشواغر الكثيرة في صفوف الأساتذة ولا سيما في الفرع الثاني، و«برمجت» كلية الحقوق ـ الفرع الفرنسي التعليم الحضوري، بعدما كانت قد بدأت عامها مع التعليم المدمج (عن بُعد وحضوري). ومن الكليات من أعلنت، غداً، بدء العام الدراسي كما كلية الإعلام وكلية الآداب والعلوم الإنسانية، علماً أن فروع كلية الآداب تُجري امتحانات الدورة الثانية في الوقت نفسه. وستبدأ كلية التربية بالتدريس الحضوري في 14 تشرين الثاني وينتظر أن تباشر كلية العلوم عامها الدراسي في 17 تشرين الثاني، على أن تنتظم الدروس في 20 تشرين الثاني في معظم الكليات والمعاهد. يُذكر أن رئاسة الجامعة ستصدر بداية هذا الأسبوع تعميماً لبدء التسجيل المالي والإداري للطلاب في الكليات.
هذه المواعيد الرسمية لانطلاقة العام الدراسي ستصطدم كلّ الوقت بصعوبات تقنية وأكاديمية «على الأرض». وإذا كانت إدارة الجامعة تركن إلى أن الـ500 مليار ليرة التي ستحصل عليها من الموازنة العامة ستؤمن «تشغيل» المباني والمجمّعات، ستواجه الجامعة تحدّيات أخرى مثل وصول الأساتذة والطلاب إلى صفوفهم، ومعالجة أوضاع الأساتذة المسافرين الذين رتّبوا أوضاعهم على أساس «التعليم عن بُعد»، عبر الطلب إليهم تقديم طلبات استيداع أو تجميد عقود التفرّغ ومدى تأثير ذلك في انتظام العملية التعليمية.

ضغوط في «العلوم ـ 1»؟
الهجرة ليست خيار بعض أساتذة كلية العلوم ـ الفرع الأول، الذين قالوا إن «الظروف دفعتهم قسرياً إلى مغادرة البلد وسيعودون في أقرب فرصة ممكنة»، وهم يقرّون بأن التعليم الحضوري هو الخيار الأنسب. لكنهم يستغربون ما يسمونه الاستنسابية التي تعتمدها إدارة الفرع الأول في التعاطي مع الأساتذة المسافرين، إذ تمارس «تهديدات وضغوطاً على غير المحظيين سياسياً»، أو غير المقرّبين من الرئيس أو العميد أو المدير، عبر إجبارهم على توقيع إجازة من دون راتب مشروطة لثلاثة أشهر ابتداءً من الأول من تشرين الثاني مع التعهد بالالتزام بالتعليم الحضوري لكامل النصاب في الفصل الثاني للعام الدراسي الحالي 2022 ـ 2023، وأنهم أخذوا علماً بإلغاء عقد التفرّغ في حال التخلف عن الحضور في الفصل الثاني. لا يُطلب ذلك من كلّ الأساتذة، كما تقول مصادر المسافرين، ولا يحصل في كلّ فروع الجامعة، «فمن الأساتذة من طُلب منهم عدم تقديم إجازات بلا راتب أو طلبات استيداع، بل أكثر الأساتذة ممن قدّموا استقالتهم في العام الماضي ولم تُقبل ووُضعت في الدرج، وبقي راتبهم ساري المفعول من دون أن يعطوا محاضراتهم لا عن بعد ولا عن قرب».
كلام عن استنسابية في التعاطي مع الأساتذة المسافرين تنفيه الإدارة


وكان المدير قد أصدر تعميماً، أو ما سمّاه الأساتذة «مذكّرة جلب»، يطلب فيه من الأساتذة المسافرين الذين غادروا البلاد من دون أذونات سفر، ولم يرسلوا طلبات لتسوية أوضاعهم، إثبات تواجدهم حضورياً حصراً في الإدارة قبل يوم الجمعة الماضي، وهو ما وضعه الأساتذة في «خانة التضييق وعدم التعاون، ولا سيما أن ملامح العام الدراسي ليست واضحة حتى الآن، وليس معروفاً ما إذا سيكون حضورياً فعلاً، وأن هناك أساتذة في لبنان يخرقون قانون التفرغ بتغطية من رئاسة الجامعة، في حين أن عرض إدارة الجامعة بتجميد عقود التفرغ لسنة واحدة ليس مضمون النتائج، ويمكن الاستغناء عن الأساتذة في أيّ لحظة».

لا لغضّ الطرف
مدير كلية العلوم ـ الفرع الأول، ياسر مهنا، يضع إجراءات الكلية، أو «أمّ الجامعة اللبنانية» كما يسميها، في إطار وضع الأمور في نصابها القانوني وانتظام التعليم، «إذ لم نعد قادرين على غضّ الطرف، ولا سيما أننا لاحظنا في العام الدراسي الماضي عدم التزام بعض الأساتذة سواءٌ المسافرون أو المقيمون بالتعليم، فكانوا يكتفون بوضع الفيديوات على المنصة من دون أي شرح، فيما وقعت أعباء وضع المسابقات والتصحيح وتنزيل العلامات على من بقوا هنا». مهنا نفى أن يكون هناك تمييز بين الأساتذة «فالمعاملة واحدة، والزعلانين من طلابي وأصحابي تحديداً أكثر من الراضين، وليس صحيحاً أننا لا نتساهل، فمن الأساتذة من قال لنا إنه سيحضر في منتصف تشرين الثاني وقد وافقنا على ذلك، ولكن لا يمكن أن نكون اتخذنا قراراً بالتعليم الحضوري ولا نعرف شيئاً عن بعض الأساتذة، وهم يريدون أن يربحوا كل شيء في الداخل والخارج».



مقاطعة الهيئة العامة: الإضراب مستمرّ؟
في المبدأ، القرار الذي اتخذته الهيئة العامة لأساتذة الجامعة اللبنانية بالإضراب، احتجاجاً على الواقع الذي يمرّ به الأستاذ الجامعي لا يزال سارياً، طالما أن الهيئة العامة لم تتراجع عنه حتى الآن. وإذا كان الإضراب مخترَقاً بجزء كبير، فإن بعض الأساتذة لا يزالون يمتنعون عن وضع أسئلة الامتحانات والتصحيح، التزاماً بالقرار النقابي. كما أن الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرّغين لم تصدر أي بيان عقب جلسة الهيئة العامة السابقة، كما لم تدع إلى جمعيات عمومية في الكليات كما وعدت. لكن جديد التحرّك، أن الهيئة التي أرادت التصويت على فك الإضراب، فشلت في جمع الهيئة العامة، إذ لم يحضر إلى الجلسة التي كانت مقرّرة، السبت الماضي، سوى 12 أستاذاً من أصل نحو 1600 أستاذ في التفرغ والملاك، ورئيس الهيئة التنفيذية عامر الحلواني وعضو الهيئة ندى أبو علي فقط.
مقاطعة الجلسة لم تكن مفاجئة، على الأقلّ بالنسبة إلى الناشطين النقابيين الذين يحضرون عادة الهيئة العامة، وقد اتفقوا في ما بينهم على الموقف، في رسالة إلى الهيئة بأن العمل النقابي انتهى وينتظر دفنه. ومن المشاركين أمس من طالب رئيس الرابطة بالاستقالة، علماً أن الجامعة هي على أبواب انتخابات نقابية، إذ بحسب النظام الداخلي، تستوفي الرابطة الاشتراكات منذ اليوم الأول من تشرين الأول وحتى 7 أيام قبل انتخابات مجلس المندوبين التي لم يُحدّد موعدها بعد. الحلواني قال للأساتذة إنه سيدعو قريباً إلى الانتخابات.