ينهي العهد أيامه الأخيرة على مشهد متكرر يعيشه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل مع الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، بما يعكس علاقة الاثنين المتوترة دوماً مع رؤساء الحكومات، ليس خلال سنوات الولاية الرئاسية فحسب، إنما منذ عودة عون من باريس لرئاسة تكتل الإصلاح والتغيير.يُكتب دوماً عن علاقة رؤساء الجمهورية برؤساء الحكومات خلال كل العهود الرئاسية، لكن تجربة عون وباسيل مع رؤساء الحكومات فريدة، لأنها في سنواتها الأخيرة انطبعت بعلاقة باسيل تحديداً مع رؤساء الحكومات، أكثر من علاقة عون بهم. وهي تجربة صدامية مع الرئيس سعد الحريري وتمام سلام وصولاً إلى ميقاتي.
تعامل عون قبل أن يصبح رئيساً وبعد وصوله إلى قصر بعبدا مع رؤساء الحكومات، على قاعدة تبناها التيار الوطني وطبقّها نوابه ووزراؤه في أدائهم السياسي ورؤيتهم وتصريحاتهم، فباتت وكأنه دستور جديد. وهي أن رئيس الحكومة سحب صلاحيات رئيس الجمهورية الماروني، وبالتالي فإن الرئيس القوي يفترض أن يستعيدها، في كل مفترق، على وقع خلافه الدائم مع رئيس مجلس الوزراء. هذه القراءة المجتزأة والمغلوطة لاتفاق الطائف، ولا سيما لدور رئيس مجلس الوزراء والوزراء، جعلت رئيس الجمهورية وحزب العهد في حرب دائمة مع رؤساء الحكومات على الصلاحيات، من الألف إلى الياء، في تشكيل الحكومة وفي التعيينات وفي تقاسم الأدوار وتوزع المسؤوليات.
ورغم أن عون صار رئيساً بفضل التسوية مع الحريري، وكان يمكن أن يكرس تجربة مختلفة في مسار العلاقة بين رئيسي الجمهورية والحكومة، إلا أنه لاحقاً لم يستصعب الخصومة معه، كما كانت حال باسيل معه، ولاحقاً مع ميقاتي، وقبلهما مع سلام والرئيس فؤاد السنيورة، قبل الوصول إلى بعبدا. لا بل ذهب الاثنان إلى صدام أدى تدريجاً إلى تخفيف وقع الرئاسة الثانية وانسحابها من الصف الأول. كانت أمام عون فرصة ست سنوات لصياغة تجربة فعلية في السلطة التنفيذية مع رؤساء الحكومات، لكن واقع الأمر أن العلاقة مع الحريري تحولت ثنائية على طريقة الصفقات مع نادر الحريري، ومن ثم الخلاف الدائم مع الرئيس الحريري ولاحقاً مع ميقاتي منذ اللحظة الأولى. ما تحول على مدى أشهر تجاذباً بين الرئاستين الأولى والثالثة، من دون أسس فعلية للخلاف ما عدا حرب الصلاحيات وتقاسم الحصص وتثبيت القيادة برأسين. وهو لب الصراع الدائم على تشكيل حكومة تتولى زمام الوضع بعد خروج عون. فباسيل يتمسك إلى آخر المطاف بفكرة أن حكومة تصريف أعمال، ولو مع فوضى، تعطيه الفرصة للاستمرار في رفعه الصوت ضد ممارسات حكومة مستقيلة ورئيس للحكومة محتكر صلاحيات رئيس الجمهورية. وهذا الوضع بالنسبة إليه أفضل من حكومة يكرر فيها ميقاتي تجربة سلام، ولا يحظى فيها باسيل بحصة تسمح له بأن يكون الأول بين متساوين.
في المقابل، ورغم أن العهد عرف بعلاقته المتوترة الدائمة مع الرئيس نبيه بري، وظهرا على افتراق تام في الاتجاهات السياسية والممارسة، إلا أن عون وباسيل حيّدا الرئاسة الثانية، بضغط علاقتهما بحزب لله أو من خلال حرصهما على عدم استثارة الحزب، في التضييق على بري وعزل الرئاسة الثانية. فجرى الاكتفاء على مدى ست سنوات بالتصويب الكلامي فحسب وخوض معارك شرسة تقف حدودها عند عدم المس بالرئاسة الثانية التي حافظت على موقعها الذي حوّله بري محورياً على مدى سنوات طويلة. خاض باسيل الانتخابات النيابية مع بري، ورغم أن رئيس المجلس لم يكن ميالاً إلى اختيار نائبه الياس بو صعب، إلا التسوية رست عليه بين الطرفين وثالثهما حزب الله. لم يغامر عون وباسيل، رغم الهجومات المتكررة كلامياً، بمحاولة التضييق على رئيس المجلس. والمحصلة، أن العهد ينتهي من دون انتخاب رئيس للجمهورية وبحكومة تصريف أعمال وبرئيس حكومة مكلف وحسب، وباشتباك بين ميقاتي والتيار الوطني الحر، فيما بري يمسك زمام المبادرة مجدداً، فتصبح الرئاسة الثانية في دائرة الضوء، داعياً إلى حوار حول الرئاسة الأولى. وبذلك يعود بري إلى الموقف الأول الذي بادر إليه تزامناً مع التسوية الرئاسية عام 2016، التي رفضها لتمسكه بسلة متكاملة أجهضت في حينه. وبري الذي حافظ على موقعه منذ التسعينيات، في ظروف مختلفة محلية وإقليمية، يستعيد دوره كالرجل الأقوى وصاحب مبادرات الإنقاذ، بفضل ما انتهى إليه العهد. والمفارقة أن التيار لا يزال يتصرف في يومياته على أن بري خصمه الدائم، فيما واقع الحال أن الرئاستين الأولى والثالثة تعيشان اليوم مأزقاً على كافة المستويات، بعد صراع دائم أدى إلى دفعهما ثمن سياسة بدأت عام 2005، وتكرست في السنوات الست الأخيرة. فيما من يمسك بزمام الصلاحيات الفعلي خارج بعبدا والسرايا الحكومي.