بغداد | بعد تجاوز الانسداد السياسي في العراق عاماً كاملاً منذ الانتخابات التي جرت في العاشر من تشرين الأول 2021، يَعقد مجلس النواب العراقي، اليوم، جلسة انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وسط ترجيح فوز عبد اللطيف رشيد ذي الجذور العميقة مع «الاتحاد الوطني الكردستاني»، في ظلّ موافقة «الحزب الديموقراطي الكردستاني»، الذي يرفض إعادة انتخاب الرئيس المنتهية ولايته، برهم صالح، وعدم ممانعة «الوطني» المتمسّك رسمياً بترشيح الأخير. ويؤشّر ما تَقدَّم، إلى أن الحسم النهائي للاسم سيكون خلال الجلسة وبأصوات الكتل النيابية المختلفة، وخصوصاً «الإطار التنسيقي» الذي صار يَملك العدد الأكبر من الأصوات لتكتّل واحد - بعد انسحاب أعضاء الكتلة «الصدرية» واحتلاله معظم مقاعدها -، والذي مارس ضغطاً كبيراً خلال الأيام الماضية على الأكراد للاتفاق على مرشّح واحد.
(أ ف ب)

ويمثّل الانتخاب، في حال إنجازه، أكبر تَقدُّم نحو إعادة تشكيل السلطة في العراق منذ الانتخابات، ولا سيما أن النائب عن «الديموقراطي»، شريف سليمان، قال، لـ«الأخبار»، إنه ستكون هناك جلسة اليوم يجري خلالها انتخاب شخصية مُتَّفق عليها لرئاسة الجمهورية، كما سيتمّ خلال الجلسة نفسها تحديد المكلّف برئاسة الوزراء التي كان «التنسيقي» قد رشّح محمد شياع السوداني لتولّيها. وأكد مصدر في الحزب نفسه، لـ«الأخبار»، أن الشخص المُتّفق عليه لرئاسة الجمهورية هو رشيد، وهو عديل الرئيس العراقي الراحل، والزعيم التاريخي لـ«الاتحاد»، جلال طالباني، كما أنه أقدم مستشار للرئاسة منذ أيام الأخير في الحُكم. وفي تأكيد آخر لأرجحيّة انتخاب رشيد، أفادت أنباء بأن «الديموقراطي» قرّر سحب مرشّح التحدي الذي كان قد تقدّم به، ريبر أحمد. ووفق مصدر في «الاتحاد»، تعليقاً على الأنباء عن التوافق على اسم رشيد والذهاب به كمرشّح مشترك للحزبَين الكرديَّين إلى البرلمان، فإن «الاتحاد تقدَّم بمرشّحه الذي هو برهم صالح، لكن إذا تمّ التوافق بين القوى السياسية كافةً على التصويت لرشيد فلا بأس». ويعكس هذا الكلام عدم ممانعة «الاتحاد» وصول رشيد إلى الرئاسة، مع استمرار تمسّكه بالرئيس المنتهية ولايته، كونه أحد القادة فيه.
من جهته، يلفت القيادي في «الاتحاد»، أحمد الهركي، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أنه «كانت هناك لقاءات على مستوى القيادة عُقدت في آب وأيلول الماضيَين بين بافل جلال طالباني، ومسعود بارزاني، ولكن لم يتبلور اتفاق نهائي. الآن هناك تطوّرات جديدة، وخاصّة بعد جلسة تجديد الثقة بمحمد الحلبوسي رئيساً لمجلس النواب في 28 أيلول الماضي. نحن أمام مرحلة إدارة الدولة ومرحلة التوافق على أن يكون هناك تغيّر في سلوك تحالف السيادة». ويضيف: «الآن هناك ربّما إصرار من القوى السياسية العراقية الأخرى غير الكردية على حضور جلسة انتخاب الرئيس. وربّما شكّل هذا عامل ضغط على القوى الكردية. ولكن ننتظر الساعات المقبلة، فالسياسة العراقية تمتاز بالمتغيّرات اللحظية، ويمكن أن يحصل في اللحظات الأخيرة اتفاق على مرشّح واحد، أو يتكرّر سيناريو عام 2018 عندما فاز مرشّح الاتحاد الوطني برهم صالح، على مرشح الحزب الديموقراطي فؤاد حسين». ويخلص الهركي إلى أنه «بعد تقديم ضمانات من تحالف السيادة وكتل أخرى بأنهم سيحضرون، ليس هناك مخاوف على النصاب القانوني. إن صدقت هذه الجزئية، سنكون أمام شبه حسْم، لأنه سيكون هناك نصاب قانوني موجود وسيشكّل عامل ضغط على الأكراد كي يتّفقوا على مرشّح واحد، لأنهم إن لم يتّفقوا، فالآلية موجودة، وهي التصويت داخل البرلمان. وكذلك منصب رئيس الجمهورية ذو بعد وطني... لذلك إن لم يتّفق عليه الحزبان الكرديان الرئيسيّان، فسيُحسم في الفضاء الوطني العراقي».
في المقابل، يقول القيادي في «الديموقراطي»، وفاء محمد كريم، لـ«الأخبار»، إنه «لحدّ الآن، لا يوجد توافق بين الديموقراطي والاتحاد بسبب إصرار الأخير على مرشّحه. وهناك محاولات كثيرة من الإطار التنسيقي لإقناعه بالتراجع عن تسمية برهم صالح واختيار اسم يرضي الطرفَين، لأن الديموقراطي لن يَدخل الجلسة بمرشّحَين. وهذا سيعقّد الأمور أكثر. لذا، الكرة الآن في ملعب الاتحاد للتخلّي عن اسم برهم صالح واختيار اسم آخر، وإن كان قريباً من الاتحاد، لأن الديموقراطي لديه فيتو على السيد برهم فقط».
«الاتحاد الكردستاني» متمسّك بصالح، لكنه لا يمانع فوز رشيد


إزاء ذلك، بقيت الحلقة المفقودة مرتبطة بما ينوي فعله «التيار الصدري» الذي كان ترشيح «الإطار التنسيقي»، السوداني، لرئاسة الوزراء سبباً كافياً بالنسبة إليه لاجتياح مقرَّي الحكومة ورئاسة الجمهورية في «المنطقة الخضراء» في نهاية آب الماضي، والذي انتهى إلى مواجهات دامية أسفرت عن سقوط أكثر من 50 قتيلاً. وأمام التيار أكثر من احتمال في ظلّ عدم القابلية لتوقّع ما يمكن أن يقوم به الصدر: فهل يلجأ إلى الشارع من جديد لإحباط انتخاب الرئيس، أم يراهن على فشل السلطة الجديدة التي قد تجد نفسها في كلّ الحالات مضطرّة إلى إجراء انتخابات مبكرة جديدة، وفق ما يطالب به الصدر ويقرّ به «التنسيقي» بعد سلسلة الأزمات التي عصفت بالبلاد خلال العام المنقضي؟ على أيّ حال، يبدو أن الظروف الدولية التي تدفع الولايات المتحدة إلى تجنّب المشاكل في مناطق النفط، قد لعبت لغير مصلحة الصدر، الذي وجد الحلفاء ينفضّون عنه واحداً تلو الآخر. كما أثار تحرّكه في آب الماضي تحفّظ المرجعيات، في حين أن قوى الاعتراض في الشارع «التشريني» ترفض التحالف معه، وتعتبره جزءاً من الطبقة السياسية التي يدينها.