كأننا نشاهد برمجة خريف وشتاء 2021! المقدّمون ذاتهم والبرامج نفسها على القنوات اللبنانية، إلى درجة يخال فيها المشاهد أن المحطات تُعيد بثّ أرشيفها، لكنها في الحقيقة أعمال جديدة. لا برمجة خريفية هذا العام. هذا باختصار وضع القنوات التي قررت عرض مواسم جديدة من برامج سبق أن بثتها في السنوات الماضية. أسباب عدة أدّت إلى هذا الواقع، من بينها التركيز على الوضع السياسي والاقتصادي وأزمة ارتفاع سعر الدولار الأميركي مقابل الليرة اللبنانية الذي اعتُبر بمثابة شمّاعة استخدمها القائمون على القنوات من أجل ضرب «فرامل» في أيّ مشاريع جديدة. حتى أنّ هذه القنوات استغنت عن مجموعة كبيرة من الموظفين بحجة العقبات المالية.
تقدّم رابعة الزيات موسماً جديداً من برنامج «فوق الـ 18»

إضافة إلى العوامل السياسية والاقتصادية، دخل هذا العام على الخطّ عاملان طارئان أجبرا القنوات على تغييب برمجة الخريف. العامل الأول يعود إلى «المونديال» الذي سيُقام في قطر بدءاً من 20 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل لغاية 18 كانون الأول (ديسمبر) المقبل. هذا الحدث الرياضي العالمي، يعتبر الأكثر مشاهدة عالمياً، إذ يبتعد المشاهد عن البرامج العادية ويتفرّغ لمتابعة المباريات التي تُقام بشكل شبه يومي وتُرصد لها ميزانيات ضخمة وحملات إعلانية عالمية.
أما العامل الثاني الذي لعب دوراً في تجميد برمجة القنوات، فهو انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في 31 تشرين الأول (أكتوبر) الحالي، وسيكون هذا الحدث السياسي هو الأبرز على الساحة. لذلك ارتأت الشاشات انتظار الفرج في الملف الرئاسي، تخوّفاً من أيّ خضّات سياسية قد تعرقل ولادة مشاريع تلفزيونية جديدة. من هذا المنطلق، قررت القنوات الحضور في الخريف الحالي ببرمجة باهتة، على أن تنطلق بمشاريعها التلفزيونية «القوية» بداية العام المقبل ريثما ينتهي المونديال وتتضح أيضاً صورة الرئاسة في لبنان.
في هذا السياق، بدأت lbci برمجتها الخريفية تباعاً، واللافت أنها لم تتضمن أيّ برامج جديدة، بل على العكس. إذ فكّت تعاقدها مع هشام حداد بعدما قدّم مواسم متتالية من برنامج «لهون وبس» ويستعدّ للانتقال إلى mtv. تضمّنت برمجة الخريف المشاريع نفسها التي قدّمت في العامين الأخيرين كالبرنامج السياسي الحواري «20 30 رؤية لبنان» الذي يقدمه ألبير كوستانيان (مساء كل إثنين). كذلك بدأ رودولف هلال موسماً ثانياً من برنامجه الفني الحواري «المجهول» (السبت 20:40)، ويعود ماريو عبود بحلقات جديدة من «صوت الناس» الذي يبثّ كل أحد. كذلك يستعدّ مالك مكتبي للعودة ببرنامجه «أحمر بالخط العريض» (مساء كل أربعاء). كما يتوقع أن تطل كارلا حداد بعمل جديد لم يتضح بعد ما إذا كان كناية عن حلقات جديدة من برنامجها «في male» أو مشروعاً مغايراً. في المسلسلات الخريفية، بدأت lbci عرض المسلسل اللبناني «لغز الأقوياء» (ﺇﺧﺮاﺝ إيلي رموز وﺗﺄﻟﻴﻒ جويل مغامس) الذي عُرض العام الماضي، إلى جانب المسلسل التركي «زهرة الثالوث» المدبلج إلى اللهجة السورية.
يختلف الوضع قليلاً في mtv التي تنوّع في البرامج التي ستعرضها هذه الفترة والأعمال التي ستنطلق بها بعد رأس السنة. فقد بدأت بثّ حلقات جديدة من برنامج «صار الوقت» (كل خميس بعد نشرة الأخبار المسائية) الذي يقدمه مارسيل غانم. كذلك بدأت عرض موسم جديد من «صاروا مية» (كل سبت 20:40) الذي يضيء على مسيرة الفن اللبناني والعربي. كذلك، يُعرض «عاطل عن الحرية» (الثلاثاء 22:15) الذي يتولاه سمير يوسف، إضافة إلى عودة برنامج «تحقيق» (كل أربعاء 22:15) الذي تتولاه كلود أبو ناضر هندي بحلقات اجتماعية سياسية لا تخلو من بعض المواقف المنحازة لفريق سياسي على حساب آخر. بعد عرض تلك المشاريع، تحضّر قناة المرّ لمجموعة من البرامج الجديدة التي ستبدأ ببثها بعد رأس السنة، وتحديداً إطلالة هشام حداد. ومن المرجح انتقال المقدم اللبناني إلى قناة المرّ مع كامل فريقه الذي شاركه تقديم برنامج «لهون وبس» لسنوات عدّة.
رغم أن «الجديد» بدأت عرض مجموعة قليلة من البرامج الجديدة في برمجتها الخريفية الحالية، إلا أن تلك الأعمال قدّمت بميزانية متواضعة. كأنّ القناة «سلقت» برمجتها لتعبئة الهواء فقط، ناهيك بأزمتها المالية التي دفعتها أخيراً إلى صرف مجموعة كبيرة من الموظفين من مختلف الأقسام. كشفت «الجديد» عن مشاريعها تباعاً، وتعرض حالياً برنامجها الترفيهي الجديد «فاشلين بالحب» (كل سبت ــ تقديم غيد شماس) الذي يسلّط الضوء على المواعدة. كذلك بدأت عرض «جيران» وهو عبارة عن اسكتشات كوميدية (فادي شربل، تاتيانا مرعب، وسام سعد/ أبو طلال وألين أحمر وغيرهم). وقد استقدمت في ذلك العمل التلفزيوني، بعض الوجوه المعروفة على تطبيق «تيك توك». كذلك، عادت رابعة الزيات بموسم جديد من «فوق الـ 18» لتناقش قضايا تدور في فلك الجنس والخيانة. أما في البرامج الساخرة، فقد اعتمدت «الجديد» على برنامج «فشة خلق» الذي تتولاه داليا احمد، و«يسقط حكم الفاسد» لرياض قبيسي.
في المقابل، يبدو أن otv أجرت تعديلات على مشاريعها الخريفية، من خلال تطعيمها ببعض الأعمال الكوميدية والساخرة. في السنوات الأخيرة، خفّ وهج الشاشة البرتقالية، إثر المشكلات المادية التي حوّلتها من قناة ترفيهية سياسية إلى إخبارية، لكنها تحاول اليوم استعادة بريقها بعض الشيء. هكذا، بدأت بعرض البرنامج الاجتماعي الكوميدي «صف ع جنب» الذي يقدمه مجدي مشموشي ورانيا عيسى وغيرهما. كما يطل مايكل ابو كسم بحلقات جديدة من «مقلب مرتّب»، وانطلق شربل أبو انطون ببرنامجه الساخر sarcasm الذي ينتقد الوضع السياسي الراهن.
خرجت برمجة lbci باهتة وضعيفة وخالية من أي برنامج جديد


من جانبها، تعود تيتا لطيفة ببرنامجها «ع نار لطيفة»، وبرنامج الأطفال kazadoo الذي غاب ثلاث سنوات. وتطل دانيا الحسيني بموسم من برنامجها الحواري «ع المكشوف» وسط ديكور جديد وفقرات تواكب التطورات السياسية. كذلك تنطلق سمر بو شبل بموسم مختلف من برنامج Man to Man.
من ناحيتها، تحضّر «المنار» لبرمجة خريفية يغلب عليها الطابع السياسي، وهي تدرس حالياً باقة من المشاريع التي ستعلن عنها خلال أسبوعين. ولم يتخذ القائمون على قناة nbn قراراً بعرض أعمال جديدة بسبب الوضع المادي المتأزم. أما بالنسبة إلى «تلفزيون لبنان»، فإنّ الفوضى تعم أرجاءه بسبب العقبات الإدارية والمالية التي يعاني منها، وستغيب البرمجة الخريفية بشكل شبه كامل باستثناء انطلاق برنامج «كلام يوصل» الذي يقدمه أنطوان سعادة وشكري مكرزل.



السياسة ملكة الساحة
فجأة هبطت البرامج السياسية على القنوات اللبنانية. على مدى ثلاث سنوات متواصلة، احتلّت البرامج السياسية الشاشات بدءاً من تظاهرات خريف 2019 وصولاً إلى ارتفاع سعر الدولار ومن ثم الانتخابات النيابية في الربيع الماضي. غاب الفنّ والترفيه، وفتحت القنوات هواءها لاستقبال المرشحين والسياسيين وعملت على شدّ العصب الطائفي والحزبي. لعبت دوراً في الترويج لوجوه سياسية معينة وتلميع صورتها، وأخذت طرفاً في اللعبة السياسية وطغت لغة التحريض على برامجها.

يستعد سامي كليب لتقديم برنامج على قناة «الجديد»

لعبت القنوات لعبتها المتوقعة، دافعت عن فريق سياسي ضد آخر وأسهمت في تعميق الانقسامات. ها هي تستعدّ اليوم لجولة أخرى لن تكون أخف وطأةً من الجولات السابقة من ناحية التحريض. ففي 31 تشرين الأول (أكتوبر) الحالي تنتهي ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون، وهذا الحدث لن يمرّ مرور الكرام على القنوات التي بدأت تعدّ العدّة له. على بُعد أيام قليلة من فتح ملف الرئاسة، بدأت المحطات تحضّر لبرمجة جديدة يكون عنوانها العريض الرئاسة. هكذا، تعاقدت «الجديد» مع سامي كليب لتقديم برنامج سياسي ينطلق قريباً. ليست المرة الأولى التي تنخرط فيها المحطة في معركة الرئاسة، بل إنّ سمر بو خليل كانت قد قدّمت برنامج «سيد القصر» الذي عرض عام 2014 وواكب الانتخابات الرئاسية.
صحيح أنّ lbci لم تخصص برنامجاً خاصة بالاستحقاق الرئاسي، ولكن في المقابل تولى ألبير كوستانيان تلك المهام عبر برنامجه «20 30 رؤية لبنان». فقد افتتح العمل السياسي الحواري لقاءاته أخيراً، مع مرشحين لمنصب الرئاسة، من بينهم رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل ورئيس «حزب القوات» سمير جعجع. على الضفة نفسها، تخطط «المنار» لإلقاء الضوء على الملف الرئاسي، ولكنها تنتظر اتّضاح صورة الملف والدخول فعلياً في السباق معه. أما بالنسبة إلى mtv، فقد بدأت تجنيد جميع برامجها صوب هذا الهدف، وتحديداً برنامج «صار الوقت» الذي يتولاه مارسيل غانم. فتح المقدم اللبناني ذراعيه لاستقبال المرشحين من بينهم رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، ورئيس «حزب حركة الاستقلال السياسي» ميشال معوض.
من جانبها، أطلقت otv أمس فقرة مطوّلة ضمن برمجة نشرة أخبارها المسائية تحت عنوان «الجنرال» (يومياً ـــ تقديم نانسي صعب). تضيء الفقرة (5 دقائق) على تاريخ وحاضر ومستقبل الرئاسة الأولى في لبنان. كما تحضر القناة لأسبوع كامل يواكب نهاية عهد عون. لن تكتفي بهذين العملين، بل تبحث في مسألة عرض برنامج خاص بالرئاسة، ولكنها لم تحدد صورته بعد.