فعلتْها السعودية إذاً. بنفوذها الكبير داخل منظمة «أوبك+»، دفعت، جنباً إلى جنْب روسيا، في اتّجاه إقرار تخفيض قاسٍ لإنتاج النفط، بما لا يقلّ عن مليونَي برميل يومياً، كان له وقْعه الصادم على الولايات المتحدة التي بدت، منذ صدور القرار يوم الأربعاء، في حالة أشبه بالهستيريا. اعتباراتٌ كثيرة يمكن الحديث عنها في تفسير التَوجّه السعودي، لعلّ أبرزها اثنان: أوّلها أن محمد بن سلمان يريد إفهام الإدارة الأميركية أن معاندتها الاعتراف به «حاكماً شرعياً كامل المواصفات» لن يبْقى بلا أثمان، وأن لا رادع لديه عن تثقيل سلّة الجمهوريين عشيّة انتخاباتٍ نصفية يبدو الديموقراطيون مُقبلين على هزيمة محتومة فيها؛ وثانيهما أن ابن سلمان لا يجد مناصاً من التمسّك بسعر «محلّق» للنفط طمعاً في عائدات يأمل من خلالها تنفيذ مشاريعه «السوريالية» ذات التكلفة المهولة. وهو، في هذا، يبدو عند تقاطعِ مصالحٍ شديد الوضوح مع روسيا، التي تشتدّ حاجتها هي الأخرى إلى أسلحة فعّالة في مواجهة المساعي الغربية لإفقاد صادراتها من الطاقة جزءاً وازناً من قيمتها، وتضعيف قدرتها على تمويل جهدها الحربي. في المقابل، تَظهر إدارة جو بايدن أمام خيارات صعبة، بعدما راهنت على تجاوُب سعودي مع مُطالباتها بزيادة إنتاج النفط، سرعان ما ثبت أنه لا يتجاوز حدود «الأمنيات». وهي إذ بدأت، بالفعل، دراسة خطواتها في مواجهة «التمرّد» السعودي، فإن أيّاً ممّا ستُقدِم عليه لن يقيها، على الأرجح، الغضب الذي بدأت تُشعله عودة الأسعار للاتّجاه صعوداً، فيما لا يَخفى أن العلاقة الأميركية - السعودية بمجملها دخلت حقبة جديدة، عنوانها الأبرز فقدان الثقة والقدرة على العطاء المتبادل