غزة | ليلة السبت، كانت يد تل أبيب خاوية. فعلى الهواء مباشرةً، وتحديداً عند التاسعة مساء، أطلقت المقاومة صواريخها على العاصمة، لكنها أرفقتها بموعد مسبق أعطت فيه المجال لوسائل الإعلام من أجل نقل الحدث مباشرة على التلفاز. هي رسالة تخطّت حدود الحرب النفسية لتصل مبلغ التحدي الاستراتيجي لأجهزة الاحتلال وجيشه الذي ظلت طائراته تحلق لساعة قبل الموعد في محاولة لإحباط التهديد، لكن كتائب الشهيد عز الدين القسام، «حماس»، أطلقت الدفعة الأولى من مكان لم تتوقعه تل أبيب، بالضبط من جنوب القطاع لا من شماله أو وسطه. تحوّلت المقاومة بذلك إلى ند حقيقي على المستوى المعلوماتي والأمني، كما سجّلت سابقة تحسب لها في تاريخ الصراع. يعلّق على هذا المحلل في الشؤون الإسرائيلية، هاني البسوس، قائلاً لـ«الأخبار»: «المقاومة استخدمت هذا التكتيك الجديد لتثبت أنها تستطيع نقل المعركة من غزة إلى داخل إسرائيل، من دون أن تتمكّن الأخيرة من منعها».

وأضاف البسوس: «بذلك كُسرت هيبة جيش الاحتلال، وتلاعبت القسام بأعصاب القيادة الإسرائيلية وخلقت قوة ردع مقابلة». المقاومة تريد أن تقول إنها لا تخوض الحرب بناءً على ما توافر لها من تقنيّات وأسلحة، بقدر ما أنها حرب للعقول والإرادة، كما تريد أن تفهم الإسرائيلي أنها درست نقاط ضعفه، واستثمرتها في تحسين قدراتها الصاروخية ومدياتها. ويمكن القول إن ما جرى تلك الليلة إشارة واضحة إلى أن المقاومة لا تعيش مأزقا كبيراً كما يحاول الاحتلال تصوير المشهد، فهي تعمل على ابتكار خطط لإرباكه وإحباط ضرباته الاستباقية، وهي نقلة نوعية في أسلوب عمل الفصائل الفلسطينية.


«أبو مجاهد»:
العلاقات مع محور المقاومة ستتحسن
بعد الحرب

أما الإسرائيلي فهو قبل مدة فاخر باستيلائه على سفينة «كلوز سي» في عرض البحر الأحمر في شهر آذار الماضي، وكانت مشحونةً بحمولة 40 صاروخاً من ذات المدى البعيد وفقاً لجغرافية فلسطين (90 ــ 200 كلم)، وهي قادرة على حمل رؤوس متفجرة بزنة عشرات الكيلوغرامات. لكنه اليوم يقف حائراً أمام نقص معلوماته عما تملكه المقاومة، لذلك لا يزال ينتظر ما قد تكشف عنه كل من «حماس» و«الجهاد الإسلامي» في أيام المواجهة. ويقول المتحدث باسم «ألوية الناصر صلاح الدين»، أبو مجاهد، إن «الاحتلال الإسرائيلي أخفق حتى اللحظة في استهداف أيّ عنصر من عناصر الوحدة الصاروخية للمقاومة بصورة مباشرة»، مكملاً: «كسبنا الجولة الأولى من هذه الحرب ونتعامل بحنكة عالية وأداء متميز، ما أدى إلى إبقاء خمسة ملايين إسرائيلي داخل الملاجئ».
ويكمل أبو مجاهد حديثه إلى «الأخبار»: «العملية البريّة فرصة ثمينة للمقاومة لإنقاذ ما تبقى من أسرانا في سجون الاحتلال، وإعادة إحياء عملية الوهم المتبدّد»، مهدداً بأن خيارات جنود الاحتلال محصورة في ثلاثة، «إما القتل أو الأسر أو الإصابة». ولمّح في الوقت نفسه إلى دراسة المقاومة طوبوغرافيا قطاع غزّة على نحو دقيق. ويبدو أن تعويل الاحتلال على استنزاف قدرات المقاومة ليس وارداً في حساب الفصائل، إذ يؤكد المتحدث معرفته بقدرة المقاومة على الصمود لأشهر، «وليس لأسابيع معدودة فحسب، لكن في المقابل هل ستصمد إسرائيل أمام هذه الصليات الصاروخية لمدة أطول؟».
ويتّضح أيضاً أن المقاومة، عدا نيتها فرض اشتراطاتها السياسية على الاحتلال لإعادة الهدوء، ستستغل هذه الجولة القتالية لإعادة المياه إلى مجاريها مع محور المقاومة. مع ذلك، يلفت أبو مجاهد إلى أن العلاقات لم تنقطع مع ذلك المحور، «لكن تفعيلها بقوة سيكون حاضراً بعد أن تضع الحرب أوزارها»، مؤكداً أن «جميع الخلافات ستذوب أمام اتجاه واحد هو مقاومة العدوّ الإسرائيلي».