في مِثل هذه الأيام قبل ما يزيد عن عقدَين، بدأت الأراضي الفلسطينية المحتلّة تعيش تحوّلات كبرى في تاريخها، عنوانها الاستفاقة من «سكْرة أوسلو»، التي سرعان ما تبخّرت مع إصرار إسرائيل على سياساتها الاستيطانية الإحلالية، ورفضها إعطاء الفلسطينيين حتى الفتات الذي مَنّتْهم به. تلك هي انطلاقة الانتفاضة الثانية أو انتفاضة الأقصى، التي امتدّت لقرابة خمس سنوات، وكانت لها، كما لكلّ محطّات النضال ضدّ العدو، مآثرها وهَناتها. على أن استحضارها اليوم ليس من باب التقليب التقليدي للروزنامة الفلسطينية، بل تَبرز أهمّيته بالنظر إلى ما تشهده الضفة الغربية، حالياً، من ديناميات مقاومة تبدو أقرب إلى إرهاصات انتفاضة ثالثة جديدة، لن تكون، هذه المرّة، شبيهة بالثانية أو بتلك الثالثة، بل هي «شيء مختلف» تماماً، وفق توصيف الأوساط الإسرائيلية نفسها. وإذا كانت الحالة الراهنة تشترك مع حالة العام 2000، في تمرّد عناصر الأجهزة الأمنية الفلسطينية على إرْث كايث دايتون، فإنها تَظهر متقدّمة عليها لناحية الحوافز والمحرّكات، حيث ثمّة الآن «أيقونات» من طراز جميل العموري وإبراهيم النابلسي وضياء حمارشة، لا تفتأ تُزخّم الحافزية نحو تصعيد الفعل المقاوم ضدّ الاحتلال ومستوطِنيه، فيما لم تَعُد استراتيجية «الاقتصاد مقابل الهويّة» قابلة للتمديد أو الإنعاش بأيّ حال من الأحوال، في ظلّ ما يبدو أنه وعي فلسطيني متعاظم بحقيقة السياسات الإسرائيلية التي لم يُشبع نهمها الاستيلاء على ما استولى عليه العدو حتى الساعة