في شباط الماضي اتخذ الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» قراراً بمنع الرياضة الروسية من المشاركة في الأحداث الدولية على خلفية «العملية العسكرية» التي أعلنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا، والتي لا تزال مستمرة حتى اليوم. مُنعت الأندية من المشاركة في دوري الأبطال، كما مُنع منتخب «الدببة» من استكمال تصفيات كأس العالم 2022، وكذلك منتخب سيدات روسيا من المشاركة في منافسات يورو 2022 لكرة القدم للسيدات. قرار أثر سلباً على الرياضة الروسية، وانقسمت الآراء حول مدى قانونيته بعد أن امتد إلى الأندية أيضاً، خاصة وأن واحداً من الشعارات الأساسية لـ«فيفا» هو عدم خلط السياسة بالرياضة
مع اقتراب موعد نهائيّات كأس العالم المقرر في 20 تشرين الثاني المقبل في قطر، تعود قضيّة حرمان المنتخب الروسي من المشاركة في الأحداث الرياضية وتحديداً كأس العالم إلى الواجهة. تَعتبر العديد من الجهات الرياضية حول العالم أن قرار الاتحاد الدولي لكرة القدم سببه ضغوط سياسية غربيّة مورست عليه لمنع روسيا من المشاركات الرياضية الخارجية. وتؤكد هذه الأطراف أن «فيفا» يعتمد سياسة الكيل بمكيالين، كونه لم يوقف أندية ومنتخبات نفذت دولها وحكوماتها عمليات عسكرية ضد دول أخرى، أو مارست انتهاكات، كما أنه لا يتدخل لضبط سياسات بعض الأندية والاتحادات التي تمارس التضييق على لاعبيها.
إيقاف الرياضة الروسية يطرح علامات استفهام حول السياسة المتبعة في الاتحادات الدولية


في قضية استبعاد روسيا لم يلتزم الاتحاد الدولي لكرة القدم بموقف الحياد الذي يطلقه دائماً تجاه القضايا السياسية، فهو منذ عام 1954 رفض التماسات العديد من الدول التي رفضت خوض مباريات لأسباب سياسية، وفي ذلك الوقت تحديداً رفض طلبات تركيا ومصر والسودان بعدم خوض مباريات مع منتخب الكيان الصهيوني ضمن التصفيات المؤهلة لكأس العالم عام 1958 مطالباً بفصل الرياضة عن السياسة، وبذلك خرجت هذه الدول العربية من التصفيات، وتمت جدولة مباراة لمنتخب الكيان مع منتخب ويلز. وبعد أن توحدت الدول العربية وطالبت بعدم مشاركة منتخب الاحتلال في تصفيات وبطولات قارة آسيا كونه منتخب لكيان محتل وغاصب، وافق الاتحاد الدولي لكرة القدم على مشاركة منتخب الكيان الصهيوني خلال سبعينيات القرن الماضي في التصفيات بقارة أوقيانيا، قبل أن ينقله في بداية التسعينيات إلى أوروبا، ولا يزال منذ ذلك الوقت يشارك بانتظام في الدوريات الأوروبية وتصفيات بطولة أوروبا والعالم مع «القارة العجوز»، رغم أنه لا ينتمي جغرافياً إلى تلك البقعة، وهو ما يشكّل تجاوزاً للقوانين التي تنص على عدم السماح لمنتخب معيّن باللعب بعيداً عن الأراضي التي يقوم عليها. وبالإضافة إلى ذلك فإن «فيفا» لا يزال حتى اليوم يناور لعدم توقيف الرياضة في دولة الاحتلال رغم أن العديد من الجمعيات الدولية بينها «هيومن رايتش ووتش» وضعت توصيات إنسانية تنص على أن الاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم يقوم برعاية أندية في الضفة الغربية المحتلة وهو ما يعتبر مخالفة للقانون الدولي، إذ لا يحق لدولة القيام بنشاط رياضي على أرض محتلّة من دولة أخرى. وتطالب «هيومن رايتس ووتش» الاتحاد الدولي لكرة القدم بحماية حقوق الإنسان، والضغط على اتّحاد الكيان الصهيوني لإجبار أندية المستوطنات على نقل نشاطها، وهو الأمر الذي لا يلفت له «فيفا».
في عام 1973 أيضاً رفع «فيفا» شعار عدم خلط الرياضة في السياسة، ورفض طلب الاتحاد السوفياتي حينها بنقل مباراة منتخبه مع تشيلي ضمن تصفيات كاس العالم 1974 إلى ملعب غير «سانتياغو الوطني» في تشيلي، على اعتبار أنه شهد قبل أسابيع من المباراة إعدامات جماعية، واعتقال حوالى سبعة آلاف شخص، خلال الانقلاب الذي دعمته الولايات المتحدة الأميركية على الرئيس سلفادور أليندي، وقام «فيفا» بتأهيل تشيلي إلى المونديال وهو ما وصف لاحقاً بـ«التأهل السخيف».


وكما في الأمس كذلك اليوم لم يوقف «فيفا» الرياضة السعودية أو الإماراتية مثلاً جراء الحرب الدائرة في اليمن منذ سنوات والتي راح ضحيتها عشرات آلاف الأبرياء من المدنيين.
هي نماذج عن أحداث رفض خلالها الاتحاد الدولي لكرة القدم التدخل تحت حجة عدم خلط الرياضة في السياسة، ولكنه فعل هذا الأمر مع روسيا أخيراً، رغم أنها استضافت نهائيات كأس العالم عام 2018. وذهب «فيفا» أبعد من ذلك قبل أسابيع قليلة حين رفضت محكمة التحكيم الرياضي الدولية (كاس) الاستئناف المقدم من الاتحاد الروسي لكرة القدم ومجموعة من الأندية الروسية ضد قرار حرمانها من المشاركة في البطولات التابعة للاتحادين الدولي والأوروبي لكرة القدم. وعزت «كاس» إلى أنها «رأت أن تصعيد الصراع بين روسيا وأوكرانيا، وردود الفعل الشعبية والحكومية في مختلف أنحاء العالم صنعا ظروفاً غير متوقعة وغير مسبوقة تطلبت رد فعل من الاتحادين الدولي والأوروبي».

«حصار» اللاعبين
الضغوط على الرياضة الروسية لم تتوقف عند هذا الحد، فقد رضخت العديد من الاتحادات الرياضية في «القارة العجوز» للشروط التي انطلقت من أميركا ووصلت إلى أوروبا الغربية. وبدأت الاتحادات الأوروبية تفرض عقوبات على اللاعبين المحليين الذين يتعاقدون مع أندية روسية، وهو الأمر الذي حصل مع لاعب منتخب بولندا ماتشي ريبوس، الذي تم استبعاده من تشكيلة المنتخب المشاركة في نهائيات كأس العالم بعد أسابيع قليلة، بعد انضمامه إلى نادي «سبارتاك موسكو» الروسي قبل أيام، بعد أن قضى 5 سنوات في صفوف نادي «لوكوموتيف» الروسي أيضاً. وفي ذات السياق فقد هدد الاتحاد الفرنسي لكرة السلة اللاعب المخضرم توما أورتيل باستبعاده عن المنتخب وحرمانه من المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية المقبلة بعد توقيعه مع فريق زينيت سان بطرسبورغ الروسي، ورغم ذلك فإن الاتحاد الدولي لكرة السلة «فيبا» لم يتدخل في القضية.
هي حملة منظمة ضربت الرياضة الروسية بشكل كبير، لم تلتزم خلالها الاتحادات القارية والدولية بالمعايير التي رفعتها دائماً ولا تزال حول ضرورة فصل الرياضة عن السياسية، والأكيد أن تداعياتها السلبية ستكون كبيرة في المستقبل على الرياضة العالمية عامة والرياضة الأوروبية بشكل خاص، إذ لطالما كانت الرياضة الروسية حاضرة في أبرز الأحداث العالمية والقارية، وتحصد نتائج جيدة في العديد من الرياضات الأولمبية. وهذه التداعيات ستطال مع الوقت كيفية وضع القوانين والسياسات التي تحكم الرياضة الدولية.