انتهت الجلسة الأولى لانتخاب رئيس للجمهورية كما كان متوقعاً لها: تحديد التكتلات وتوجهاتها فقط لا غير، والتأكيد للمجتمع الدولي على احترام المهل الدستورية. ففي غياب التوافق على مرشح ينال أقله أصوات الغالبية، بدا واضحاً أن أول جلسة ستكون مجرد جلسة صورية لا أكثر. لذلك لم تسم كتل التيار الوطني الحر والطاشناق وحركة أمل وحزب الله والمستقلين الذين يدورون في فلكهم أي مرشح بل اكتفوا بوضع ورقة بيضاء، في حين رشحّ الحزب الاشتراكي والقوات وبعض المستقلين النائب ميشال معوض، مقابل تصويت نواب «التغيير» للمرشح سليم إده. لتأتي النتائج على الشكل التالي: 63 نائباً اقترعوا بورقة بيضاء (تعتبر ملغاة) هم نواب التيار الوطني الحر والطاشناق الـ 21، وحزب الله الـ 13، وحركة أمل الـ 15، وكل من عدنان طرابلسي وطه ناجي وطوني فرنجية وفريد الخازن وملحم طوق وميشال المر وينال الصلح وملحم الحجيري وحسن مراد وجهاد الصمد وجميل السيد، إضافة إلى أسامة سعد وعبد الرحمن البزري وشربل مسعد.
(هيثم الموسوي)

في حين اقترع 36 نائباً لمعوض، هم نواب حزب القوات اللبنانية (18 بغياب ستريدا جعجع)، الحزب الاشتراكي (8)، حزب الكتائب (3، بغياب سليم الصايغ) وكل من ميشال معوض، أديب عبد المسيح، جان طالوزيان، جميل عبود، بلال الحشيمي، ميشال ضاهر وغسان سكاف. أما نواب «التغيير» فقد سمّوا سليم إده (ابن الوزير السابق ميشال إده، ونال 11 صوتاً في غياب كل من نجاة صليبا وإبراهيم منيمنة)، بينما امتنع نواب تكتل الاعتدال الوطني (أحمد الخير ووليد البعريني ومحمد سليمان وسجيع عطية وعبد العزيز الصمد وأحمد رستم) والنواب نبيل بدر وعماد الحوت وإيهاب مطر وفراس السلوم عن التصويت لأي اسم ووضعوا ورقة مكتوب عليها «لبنان» (تعتبر أوراقهم ملغاة)، وصوّت النائب عبد الكريم كبارة بورقة تحمل عبارة «نهج رشيد كرامي» وهي أيضاً ملغاة، مثلها مثل الورقة التي حملت اسم الإيرانية مهسا أميني ويرجح أن صاحبها النائب أشرف ريفي رغم إعلانه قبيل الجلسة أنه سينتخب معوض. هذه المعادلة الحسابية تقسم المجلس النيابي فعلياً فريقين رئيسيين. الأول يمثله فريق 8 آذار والتيار الوطني الحر بمجموع 63 صوتاً، والفريق المعارض لهم الممثل بقوى 14 آذار ومن ضمنها القوات والاشتراكي ونواب التغيير وبعض المستقلين الذين يبلغ عددهم 48 صوتاً ويرتفع إلى 54 بإضافة المتغيبين عن الجلسة (نعمت افرام ونجاة صليبا وإبراهيم منيمنة وفؤاد مخزومي وسليم الصايغ وستريدا جعجع). أما بيضة القبان هذه المرة، فتتمثل بنواب المستقبل السابقين أي ما بات يسمى بتكتل الاعتدال الوطني وبعض حلفائهم ويصل عددهم إلى 11 نائباً. نصاب الحضور الذي تأمن في الدورة الأولى بـ122 نائباً، فُقد في الدورة الثانية بعد خروج نواب حركة أمل وحزب الله أو هكذا أراد له بري. فقد أبلغه موظفو المجلس بعد أن كلفهم رئيس المجلس بالعدّ، أن العدد المتبقي من النواب في القاعة هو 85 نائباً فيما المطلوب لضمان نصاب الثلثين هو 86 نائباً. فأعلن فضّ الجلسة إلى حين «تأمين التوافق» وإلا «فلكل حادث حديث».
وبحسب معلومات «الأخبار»، فإن الحزب الاشتراكي كان أكثر المتحمسين لتبني اسم معوض فيما لم يحسم حزب الكتائب أمره حتى صباح أمس. أما رئيس حزب القوات اللبنانية، فرأى في التوافق مع البقية على اعتماد اسم معوض ربحاً صافياً: أولاً عبر «تسليف» معوض انتخابه في الدورة الأولى رغم معرفته المسبقة أنه لن يمرّ وبالتالي يمكن له استرداد الجميل منه في الدورات المقبلة. ثانياً إرسال رسالة إلى رئيس تيار المردة سليمان فرنجية عبر ترشيح منافسه في بلدته. وأكثر ما يعبّر عن طريقة اختياره، هو تصريح النائب جورج عدوان الذي قال إنه «بعد الاتصالات تبيّن أن ميشال معوض سيادي وإصلاحي» بما يوحي أنه جرى اكتشافه حديثاً! وذلك يحيل إلى السبب الأهم في ذلك كله، وفق ما تلفت مصادر مطلعة، وهو أن معوض مرشح السفير السعودي وليد البخاري، لذلك سارت فيه الكتل التي يمون عليها ونفذّت من دون اعتراض بعد جولته عليها. فباتت تصفه القوات وفقاً لنائبها ملحم رياشي بـ«ابن شهيد اتفاق الطائف». علماً أن معوض هو رجل الأميركيين الأول في لبنان ووكيل الـUSAID التي كلفته غداة انفجار المرفأ بالتكفل بتوزيع المساعدات على الجمعيات التي يراها مناسبة. وهو أيضاً من أبرز المقربين من المصرفي أنطون الصحناوي. وعليه، يشكل تقاطعاً لكل الجهات التي تمثلها هذه القوى في لبنان. وفيما ثمة من يشير إلى أن رمي اسمه أمس كان لإحراقه، يؤكد المقربون منه أنها بداية العمل على لوبي أوسع لتأمين عدد أكبر من الأصوات.
جورج عدوان: «بعد الاتصالات تبيّن أن ميشال معوض سيادي وإصلاحي»


من جهتهم، وغداة «حشر» بري لنواب التغيير بالتوقيت قبل أن ينجزوا مناقشاتهم مع كل الكتل، اختاروا اسماً مطروحاً من بين الأسماء التي سلموها للكتل إنما يصلح لـ«الحرق» هو سليم إده. فـ«التغييريون» كانوا قد زاروا إده الذي أبلغهم رسمياً بأنه لا يرغب بالترشح وتمنى عليهم عدم وضع اسمه، لكن النائب ملحم خلف عممه على زملائه لتسميته خلال الجلسة. وإده محسوب على الفرنسيين وسبق للسفيرة الفرنسية آن غريو أن ذكرت اسمه عند زيارتها للبطريرك بشارة الراعي. وسبق أيضاً لرئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان أن تفاوض معه لتوزيره في حكومة تمام سلام فرفض، ليرفض مجدداً عرض رئيس الحكومة السابق سعد الحريري بتوزيره مرتين عام 2019. وتشير المصادر إلى أن المرشحين الجديين اللذين أُبقي اسماهما خارج التداول في هذه الجلسة بطلب منهما هما النائب نعمت افرام الموجود في الولايات المتحدة والوزير السابق زياد بارود، إلى حين محاولة كل منهما تأمين توافق على اسمه والتفاوض مع الأحزاب.



«تطويع الدستور»
لطالما كان السؤال مطروحاً حول النصاب الحضوري والانتخابي وكيفية احتساب هذا النصاب بعد انقضاء الدورة الأولى التي تحتاج إلى ثلثي عدد مجلس النواب لانتخاب رئيس بالطريقة التي اعتمدها بري خلال كل الجلسات التي تلت نهاية عهد الرئيس السابق إميل لحود. وبحسب الأستاذ الجامعي المتخصّص في القانون الدستوري وتاريخ الفكر السياسي وسام اللحام، «هذه الإشكالية لم تبرز بوضوح خلال الانتداب الفرنسي والفترة الأولى من الاستقلال كون النواب كانوا يشاركون دائماً بغالبيتهم الساحقة في جلسة الانتخاب، ما يعني أن طريقة احتساب الغالبية لم تكن تطرح نظراً لعدم إثارتها أي مشكلة تطبيقية». لكن نتيجة تبدل الأوضاع وانسحاب الجيش السوري بات الدستور يطوّع لخدمة الأحزاب السياسية، فتعطل متى تشاء»، لافتاً إلى أن المادة 49 من الدستور واضحة: «ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى ويكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الانتخاب التي تلي»، موضحاً أن «الدستور لا يشير إلى ضرورة تأمين نصاب الثلثين من عدد أعضاء مجلس النواب الـ128 لانعقاد الجلسة، بل إن نصاب الانعقاد النصف زائد واحد. أما غالبية الثلثين المطلوبة للفوز في الدورة الأولى، فهي ليست ثلثيّ العدد الإجمالي لأعضاء مجلس النواب بل ثلثيّ عدد مجلس النواب الحاضر والمصوّت بأوراق صحيحة بحسب النصّ الدستوري (أي من دون الأوراق البيضاء والملغاة). وما اعتماد ثلثيّ العدد الإجمالي كما حصل أمس سوى في إطار المصلحة السياسية وعدم السماح للمؤسسات بالقيام عملها والحكم بشكل ديموقراطي لاستبدالها بما يسمى توافق الغرف السوداء». ينسحب الأمر على الادعاء بضرورة الإبقاء على الثلثين في الدورة الثانية لانتخاب رئيس بالأكثرية المطلقة. وباعتبار بري أن هذه الجلسة كأنها لم تكن، فيعمد خلال الجلسات اللاحقة إلى البدء من جديد من دون اعتبار الجلسة الأولى «دورة قانونية مسجلة بالمحضر مما يفرض عليه البدء من الدورة الثانية». ويسأل لحام: «لنفترض أن نصاب الجلسة الأولى الثلثين من الكل تبعاً لقولهم إن الفوز يحتاج إلى ثلثين، إذاً لماذا لا يكون نصاب الدورة الثانية الغالبية المطلقة بالاستناد إلى إفتائهم أن الفوز في هذه الدورة يحتاج إلى الغالبية المطلقة أي 65 نائباً ولماذا عدم تطبيق المعادلة الأولى على الثانية؟»، عدا عن أن النص الدستوري يقول إن الأوراق الملغاة والبيضاء لا تدخل في حساب الغالبية، وهو ما لم يذكره بري خلال تعداده للأوراق.