طهران | انتقدت «الترويكا الأوروبية» (فرنسا وألمانيا وبريطانيا)، في بيان مشترك، صدر أوّل من أمس، إيران على خلفيّة مواقفها التي قالت إنها «تثير شكوكاً جادّة حيال نيّاتها والتزامها بالنتيجة الناجعة للاتفاق النووي»، متّهمةً إيّاها بفتْح قضايا منفصلة ترتبط بتعهداتها الدولية، قاصدةً في ذلك مطلب الجمهورية الإسلامية بوقْف التحقيق في قضيّة جزيئات يورانيوم عُثر عليها في ثلاثة مواقع غير معلَنة، کشرط لإحیاء الاتفاق النووي. وردّاً على البیان الأوروبي الذي صدر عشيّة اجتماع مجلس محافظي «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، رأى الناطق باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، أنّ ما ورد على لسان «الترويكا» «إجراء غير مدروس»، و«خطوة على طريق إفشال المحادثات»، قائلاً: «إذا لم تصل المحادثات إلى نتيجة، فإن الدول التي أصدرت هذا البيان يجب أن تتحمّل المسؤولية». ويشير البيان الأوروبي - وهو تكرار لمواقف واشنطن من طهران -، والردّ الإيراني عليه، إلى اتّساع الهوّة بين أطراف المحادثات، فضلاً عن تراجع احتمال إحياء «خطّة العمل الشاملة المشتركة»، وخصوصاً أن الطرفين الإيراني والغربي يبدوان بصدد تبادل الاتهامات، وتحميل بعضهما البعض مسؤولية فشل المفاوضات.
توتّر متزايد بين إيران وألبانيا
وفي خضمّ تصاعد الخلافات بين إيران والقرى الغربية على خلفية الملفّ النووي، تجدّد التوتّر بين الجمهورية الإسلامية وألبانيا، فيما سارعت الولايات المتحدة إلى مساندة حليفتها الأطلسية. وفي خلفية الخلاف الأخير، إعلان وزارة الداخلية الألبانية، أوّل من أمس، تعرّض أحد أنظمتها الحدودية لهجوم إلكتروني جاء من نفس المصدر الإيراني الذي شنّ هجوماً سابقاً، بحسب ادّعائها. واتّهم رئيس الوزراء الألباني، إيدي راما، إيران بالضلوع في الهجوم السيبراني الذي استهدف «البنى التحتية» للبلاد، طالباً من الدبلوماسيين والموظّفين الإيرانيين إغلاق سفارة بلادهم ومغادرة ألبانيا خلال 24 ساعة. من جهتها، ندّدت إيران بقرار قطْع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، مؤكدةً أنه «لا أساس للمزاعم» القائلة إنها وراء الهجوم المشار إليه. لكن ما جعل التصعيد في العلاقات بين طهران وتيرانا مثيراً للانتباه، هو إقدام وزارة الخزانة الأميركية، الجمعة، على إدراج وزارة الأمن الإيرانية ووزيرها، على قائمة العقوبات، بتهمة «الضلوع في الهجوم الإلكتروني ضدّ البنى التحتية الألبانية». ووفق رواية الولايات المتحدة وألبانيا، فإن مجموعة قراصنة تابعين لوزارة الأمن الإيرانية اخترقوا «منظومة حواسيب الحكومة الألبانية في تموز 2022 وتسبّبوا بإرباكها، ما اضطر الحكومة الألبانية إلى وقف تقديم الخدمات العامّة للمواطنين بشكل كامل». من جهتها، تذهب مصادر إلى القول إن واشنطن هي التي لقّنت تيرانا، وجعلتها تخرج باستنتاج أن طهران هي التي تقف خلف تنفيذ الهجوم السيبراني عليها، في 15 تموز الماضي.

«مجاهدو خلق» في كواليس التصعيد؟
ولا يقتصر التوتّر في العلاقات الإيرانية - الألبانية على ما حصل أخيراً. ففي عام 2018، اتّهمت تيرانا، طهران بتصميم هجمات إرهابيّة ضدّها، وطردت الدبلوماسيين الإيرانيين استناداً إلى هذه المزاعم. وكردٍّ على الإجراء الألباني، اتّهمت إيران ألبانيا بتلفيق هذه التُهم تحت الضغط الأميركي والإسرائيلي.
وخلال السنوات الأخيرة، ارتبط اسم ألبانيا في المناخ السياسي الإيراني بأكبر مجموعة معارضة للجمهورية الإسلامية، وهي «منظّمة مجاهدي خلق»، التي بدأت عملها المسلّح ضدّ النظام الإيراني منذ عام 1981؛ وفي عام 1986، نشرت قواتها في معسكر «أشرف» في العراق - بدعمٍ من صدام حسين -، ومنه نفذت، على مدى سنوات، أعمالاً عسكرية وتخريبيّة وجاسوسيّة ضدّ الحكومة الإيرانية. لكن سقوط صدام حسين صعّب الأمر على هذه المجموعة، فاضطرّت في خاتمة المطاف إلى مغادرة العراق بالكامل عام 2016. وفي حينه، وافقت الحكومة الألبانية، بطلب من الولايات المتحدة، على منْح اللجوء لأعضاء المجموعة، ونشرهم في معسكر يبعد 30 كيلومتراً غربي تيرانا، وهو الإجراء الذي أسّس للتوتّرات اللاحقة في العلاقات بين البلدين. وبسبب الإجراءات الأمنية المضادة والأعمال التخريبية لـ«مجاهدي خلق»، ولا سيما في البرنامج النووي، تُبدي الحكومة الإيرانية حساسيّة خاصة تجاه هذه المجموعة واستضافة تيرانا لها، ما أفرز غضباً واستياءً لدى السلطات الإيرانية، دفعا مرشد الجمهورية الإسلامية، علي الخامنئي، في أعقاب اغتيال اللواء قاسم سليماني، إلى وصْف ألبانيا، من دون أن يسمّيها، بالبلد «الشرير والصغير».
وسط التصعيد في العلاقة بين إيران والغرب، تحوّل «مجاهدو خلق» إلى أداة ضغط غربية ضدّ إيران


ووسط التصعيد في العلاقة بين إيران والغرب، تحوّل «مجاهدو خلق» إلى أداة ضغط غربية ضدّ إيران. وقد نحت تحركات هذه المجموعة وأنشطتها، خلال السنوات الأخيرة، منحى تصاعدياً في عواصم الغرب، فيما شهدت اجتماعاتهم مشاركة بعض الوجوه الأميركية البارزة، ولا سيما المستشار السابق للأمن القومي جون بولتون، ونائب الرئيس السابق مايك بنس، ووزير الخارجية السابق مايك بومبيو.
وكان مقرّراً قبل نحو أربعين يوماً، أن تقيم هذه المنظمة اجتماعاً تحت عنوان «الملتقى العالمي لإيران الحرّة» في معسكرها في ألبانيا، غير أن الاجتماع الذي كان سيحضره عدد من السياسيين الأجانب، بمَن فيهم عدد من أعضاء الكونغرس الأميركي، أُلغي على خلفية التحذيرات التي أطلقتها الحكومة الألبانية حول احتمال وقوع هجمات إرهابيّة. وفي هذا السياق، أَبلغ مصدر قريب من الأجهزة الأمنية الإيرانية، «الأخبار»، أنه لا علاقة للحكومة الإيرانية بالهجمات السيبرانية على ألبانيا، بيدَ أن أشخاصاً ومجموعات نشطة قد تكون هي التي اخترقت الأنظمة الألبانية للتعبير عن معارضتها لسلوكيات منظّمة «مجاهدي خلق» وممارساتها. وأضاف إن إيران لديها معلومات مؤكدة تفيد بأن المنظمة شكّلت «جيشاً سيبرانياً» مهمّته مهاجمة الفضاء الافتراضي في إيران، بما في ذلك اختراق المنظومات الأمنية والحضرية، بينما توفّر الحكومة الألبانية لهذه المجموعة الخدمات والجغرافيا والغطاء.