مرة أخرى يتجدد قصف المقاومة الفلسطينية في تل أبيب وحيفا، الأُولى كانت على عهدة سرايا القدس (الجهاد الإسلامي) والثانية بامتياز لكتائب القسام (حماس). لم يعد هذا خبراً مهماً في اليوم الثاني للحرب بالنسبة إلى الفلسطينيين الذين قضى منهم أكثر من 57 شهيداً إلى جانب مئات الجرحى. أيضاً ليس غريباً أن الاحتلال تلقى الرسالة وأعلن اتخاذه إجراءات لحماية المنشآت والمصانع في حيفا، بل المهم أن «القسام» أعلنت أمس أنها قصفت مدينة ديمونة في النقب جنوب فلسطين المحتلة للمرة الأولى.
كل التهديدات التي رفعها السيد حسن نصر الله لردع إسرائيل عن الحرب تنفذها المقاومة الفلسطينية اليوم. حتى إن لم تكن الصواريخ، رغم مدياتها الجديدة، قادرة على إحداث دمار كبير ومؤثر، فإن هناك عاملين يجب أخذهما في الاعتبار: الأول أن إمكانات التخزين والتهريب والتصنيع في غزة ليست كما في لبنان، والثانية حالة التكتّم الكبيرة التي يفرضها الاحتلال على مواقع سقوط الصواريخ، كي لا تكرر المقاومة قصفها، وعلى نتائج هذا القصف من ناحية الخسائر البشرية أو المادية في حال وقوعها، وهو أمر وارد في ظل استخدام صواريخ جديدة قيل إنها سورية الصنع، ورأسها المتفجر يصل وزنه إلى 120 كلغ.
في المجمل، هي خطوات سبّاقة للمقاومة في غزة التي وسعت رقعة النار في اليوم الثاني من الحرب مع تأكيدها قدرتها على قصف المدن المحتلة كلها. وما يغضب الإسرائيليين، أنه رغم مئات الغارات والأطنان على غزة في يومين بصورة مكثفة أكثر من الحربين الماضيتين، فإن الأرض نفسها التي تضرب بالقذائف الثقيلة سرعان ما تخرج منها صواريخ المقاومة لتضرب المدن المحتلة، ثم يعيد الاحتلال الكرّة مرة أخرى في الأرض نفسها وبفارق توقيت قصير، ومع ذلك تخرج النار من الأرض إلى الأرض. هذا كله دفع إسرائيل إلى الاعتراف بأن غزة أتقنت، رغم مساحتها الضيقة وظروفها الصعبة، التخزين كمّاً وطريقة.
عودةً إلى ديمونا، قالت «القسام» إنها أرسلت ثلاثة صواريخ من نوع M75 على المدينة التي تبعد أكثر من 65 كم عن القطاع، وتحتوي مفاعلاً نووياً يحمل اسمها، ثم اعترف جيش الاحتلال بسقوط صاروخين قرب المفاعل نفسه. كأن الصواريخ الثلاثة حملت معها ثلاث رسائل: الأولى أن المقاومة تملك بنكاً مقابلاً للأهداف، وهو المصطلح الذي اعتادت تل أبيب استخدامه مع غزة. الرسالة الثانية أن إحداثيات الخرائط التي تمتلكها المقاومة دقيقة، وهي استطاعت تجميعها عبر مساعدة من محور المقاومة، أو وفق إمكانات أقل تقنية من إسرائيل، لكنها أتت بمفعولها، ولا يعلم بعد ماذا تخبئ الفصائل كـ«حماس» و«الجهاد الإسلامي» من مفاجآت في هذا الصعيد، رغم أنهما أظهرتا الكثير من أوراق القوة في يوم واحد. أما الرسالة الثالثة، فهي صناعة حاجز ناري مقابل زيادة وتيرة استهداف بيوت المدنيين من عائلات الناشطين في الفصائل، على أن تكون نار المقاومة معادلاً موضوعياً للسياسة التي أصرت إسرائيل على إكمالها في اليوم الثاني، رغم أنها سببت فعلياً إشعال الحرب بعدما كان المناخ العسكري مقتصراً على التصعيد المتبادَل.
هذا على مستوى الصواريخ، لكن لجهة قتل، أو تبطيء، التفكير الإسرائيلي في نجاح أي عملية برية في اجتثاث المقاومة أو وقف صواريخها، فإن «القسام» جددت اقتحامها كيبوتس «زيكيم» العسكري، عبر عملية إنزال بحرية نفذها اثنان، تحدثت إسرائيل عن قتلهما، من «ضفادعها البشرية»، وذلك بعد محاولة أول من أمس، التي قامت عليها مجموعة استشهادية من ثلاثة أو أربعة مقاومين.
لا يعلم طبيعة الحسابات الميدانية التي دعت الكتائب إلى إعادة المحاولة وضرب الموقع نفسه، لكن ذلك يشير إلى نية عالية لإيقاع ضرر كبير على الروح المعنوية لجنود الاحتلال، لأن المستهدف موقع عسكري وليس مكاناً مدنياً، ما دعا الجيش الإسرائيلي إلى إعلان «الكيبوتس وجنوبي عسقلان منطقة عسكرية مغلقة وقطع الطرق المؤدية إليها».
على المدى نفسه، فإن «حرب الأشباح» التي وعدت بها سرايا القدس لم تبدأ بعد، وإن كان الاحتلال قد تحدث عنها ملياً حين اكتشافه نفقاً للكتائب، جنوب قطاع غزة، كان يوصل إلى موقع «العين الثالثة» العسكري. السيناريو المطروح مشابه للإنزال الجوي الذي تنفذه الجيوش، لكن المقاومة قررت إرسال «أشباح» لها خلف «خطوط العدو» لإرباك حساباته.
(الأخبار)