غزة | يظهر أن دوائر صنع القرار في تل أبيب أصدرت توصياتها باستمرار توجيه الضربات إلى قطاع غزة بصورة مكثفة، وهذا ما تؤكده كثافة الغارات أمس، لكن لم يتضح من الجهة الإسرائيلية أو الفلسطينية عمر أو نطاق العملية الجارية التي تسميها إسرائيل «الجرف الصامد». مثل هذه التوصية التي تطبق عملياً تشير إلى أنه ليس في وارد الاحتلال، في الوقت الراهن على الأقل، التوصل إلى اتفاق تهدئة مع المقاومة الفلسطينية، لكنه لا يزال يعتمد على سلاحي الطيران والمدفعية والبحرية.
حتى على مستوى بنك الأهداف لم يظهر سوى استهداف منازل مدنية لعائلات القيادة في حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي». في المقابل، توسع فصائل المقاومة رقعة الأهداف التي تقصفها في الأراضي المحتلة، كما تعيد قصفها مناطق في تل أبيب والخضيرة والقدس وجنوب حيفا، وليس أخيراً مدينة ديمونة، مع الأخذ في الاعتبار أنها لا تزال تتوعد بمزيد الصواريخ التي يتجاوز مداها 100 كيلو متر، وهو يمثل سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الصراع انطلاقاً من غزة. قد تبدو المعركة القائمة الآن، أقرب إلى لعبة شد الحبل، إذ يحاول الطرفان أن يجذبا حبل المبادرة كل إلى طرفه ممثلة برضوخ الآخر للشروط. المقاومة تشترط كما ورد على لسان المتحدث باسم كتائب القسام (حماس)، أبو عبيدة، الإفراج عن الأسرى المحررين في صفقة التبادل 2011 الذين أعادت إسرائيل اعتقالهم من مدن الضفة المحتلة إبان بحثها عن ثلاثة مستوطنين تبين مقتلهم قبل أسابيع، كما يطالب برفع الحصار المفروض على القطاع والكف عن تخريب المصالحة، كل ذلك مقابله وقف التصعيد.


إسرائيل مطالبة
داخلياً برد قاس على «حماس»، لكنها تؤخر العمل البري

على الطرف الآخر، يرفض وزير الجيش الإسرائيلي، موشي يعلون، قبول شروط المقاومة، وهو كما باقي تشكيلة حكومته أعلن في أعقاب الاجتماع التقويمي بين الجيش وجهاز الأمن العام «الشاباك»، أمس، ضرورة توسيع عمليات الجيش خلال الأيام المقبلة لتدمير شبكات المقاومة والقيادة.
إزاء تبادل رسائل الردع بين الجانبين، يقول المحلل السياسي حسام الدجني إن «إسرائيل تعاني فشلاً استخبارياً كبيراً، وأخفقت في تحقيق أهدافها المتعلقة باستهداف قادة المقاومة، وعليه فهي تتخبط الآن وتحاول توسيع عمليات القصف الجوي على القطاع، لكن على حساب المدنيين بعيداً عن التوغل البري». وأضاف الدجني لـ«الأخبار»: «ربما كان تكثيف الضربات العسكرية من أجل تمرير مبادرات سياسية تلوح في الأفق، وكلها تتعلق بالتهدئة، رغم أن إسرائيل لا ترغب في تنفيذ مطالب المقاومة»، لذلك رجح أن تستمر العملية على غزة لأيام بعيداً عن الدخول في حرب برية.
ومنذ يومين، أمرت قيادة الجبهة الداخلية الإسرائيلية بإلغاء جميع النشاطات الدراسية والتعليمية، بما فيها المخيمات الصيفية في التجمعات السكنية الواقعة على بعد 40 كم أو أقل عن حدود قطاع غزة، كما شددت على حظر تجمهر أكثر من 300 شخص. يأتي ذلك بالتزامن مع نزول نحو ثلاثة ملايين إسرائيلي إلى الملاجئ بفعل صواريخ المقاومة، رغم أن الاحتلال يتكتم على طبيعة الأهداف التي أصابتها الصواريخ. هذا المشهد الداخلي، يدفع الدجني إلى توقع الخيار الأصعب، «وهو أن تعلن إسرائيل توسيع العملية، وخصوصاً أن الجبهة الداخلية تدفع تجاه توجيه ضربة قاسية لحماس من أجل رد الاعتبار».
في هذا الاتجاه، يذهب الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل كسابقه، متوقعاً اتساع دائرة العدوان في غزة، فهو يرى أن «إسرائيل تورطت في شن العملية العسكرية على القطاع وتتوسم الآن تهدئة، لكن هذه التهدئة بحاجة إلى بعض الوقت». ويعتقد عوكل، في حديث مع «الأخبار»، أن إسرائيل بحاجة الآن إلى الوقت للتعامل مع غزة من ناحية عسكرية، «وبوضوح هي تنتظر حتى تصطاد قائداً كبيراً على المستوى السياسي أو العسكري حتى تسوق لجمهورها انتصاراً وهمياً». مع ذلك، يشكك عوكل في إمكانية تنفيذ الاحتلال اجتياحاً برياً «رغم التصريحات المتلاحقة بضرورة توجيه ضربة قوية إلى حماس»، لأن «الظروف غير مواتية للعدوان البري». وتابع: «ليس بإمكان إسرائيل الحصول على اتفاق تهدئة دون شروط من المقاومة، لهذا فهي تدرك أنها بحاجة إلى دفع الثمن، لكنها في المقابل تسعى إلى حفظ ماء وجهها أمام الجبهة الداخلية لذلك نشرت قائمة قادة من حماس معرضين للاغتيال». في المجمل، يبدو أن الطرفين أمام سيناريو صعب قد يُجبران فيه على استخدام أوراق قوة لم تطرح من قبل، وهذا ما دفع الاحتلال إلى مطالبة مواطنيه بالتزام الملاجئ من الجنوب حتى حيفا، لكن توقف الحياة في الأراضي المحتلة سيمنع إطار الحرب من الإطالة.