غزة | القاهرة | في خطوة لافتة، أطلقت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة «حماس»، على عمليتها في الرد على الحرب الإسرائيلية، مسمى «العاشر من رمضان»، تيمناً بالحرب التي خاضها الجيش المصري في تشرين الأول من عام 1973، وهو الجيش نفسه الذي تواجه «حماس» معه أزمة كبرى منذ عزله الرئيس الإخواني محمد مدرسي. في بيان القسام، إشارة إلى «تضحيات الجيش المصري وبطولاته»، وهي أهدت جهودها إلى «أرواح شهداء هذا الجيش» الذي يقف على الحدود الجنوبية لقطاع غزة، مشكلاً جزءاً من الحصار الخانق عليه منذ ثماني سنوات.
هذا ما يرى فيه مراقبون «إشارة لمّاحة وذكية» تنفذها «القسام» في محاولة لتخفيف الإغلاق المصري تجاه غزة. ويرى المحلل السياسي، أكرم عطا الله، أن «الطرفين المصري والحمساوي في هذا الوقت صامتان ولا يعرفان ماذا يريد أحدهما من الآخر»، لكنه لفت إلى أن «حماس» تحاول التقرب من القاهرة «لإجراء حوار على أقل تقدير، فهي رغم كل ما جرى تؤمن بالدور المصري داخل فلسطين، وغزة بالتحديد».
ويقول لـ«الأخبار»: «لن يتوقف الجانب المصري عن مد مساعدة غزة لمعرفته مدى حاجة الغزيين إلى القاهرة في وقت الحرب، وهو كان في حروب سابقة يقدم المساعدة عبر فتح معبر رفح وإدخال المساعدات، إضافة إلى فتح المستشفيات المصرية لعلاج المصابين»، لكن عطا الله يعتقد أن مصر ستقدم المساعدة إلى غزة على الصعيد الإنساني في الوقت الراهن «دون تحقيق اختراق على مستوى العلاقة مع حماس».


عزز الجيش المصري
انتشاره في سيناء
وعلى طول الحدود
مع القطاع

أما المحلل السياسي، مصطفى الصواف، المقرب من «حماس»، فيقول إن الحركة أرسلت إشارة ذكية في اختيار اسم الرد بهذا الاسم، «وهي رسالة تقرب واضحة إلى القيادة المصرية»، ويضيف لـ«الأخبار»: «حماس تعترف بالشهداء الذي خاضوا حروباً مع الاحتلال كما تفعل هي الآن، كذلك تريد التذكير بواجب الأخوّة المصري مع الفلسطينيين». ويشدد الصواف على أن «حماس تنوي فتح صفحة جديدة مع الجانب المصري، وإبعاد الشكوك التي علقت بها في آخر سنتين».
على المستوى الرسمي، قال رئيس المكتب الإعلامي لحكومة غزة السابقة، إيهاب الغصين، إن «مواقف حماس واضحة تجاه القاهرة وخلق علاقات طيبة، مع أن المصريين حاولوا الزج بها في الأحداث الداخلية». واستدرك: «العلاقة الآن ليست في وضعها الطبيعي، نظراً إلى الأحداث، لكن هذا لم يقطع الاتصالات بيننا في النواحي المتعلقة بحياة الناس»، لافتاً إلى «تطلع حماس إلى فتح معبر رفح بصورة مستمرة وتقديم يد العون إلى غزة». واستحضر في الوقت نفسه دور الوسيط المصري الذي عمل على التهدئة في 2012 «وإنجاز صفة وفاء الأحرار قبلها بعام».
النائب في المجلس التشريعي عن «حماس»، مشير المصري، نفى من جانبه وجود أي وساطة مصرية، حتى كتابة التقرير، لكنه أردف: «لن نقبل أي تدخل دون توقف جرائم الاحتلال في كل مناطق الفلسطينيين». وقال لـ«الأخبار»: «لن يعود الإسرائيلي سوى مطأطئ الرأس بعد أن يرجونا لتثبيت تهدئة، ولن نعطيه إياها دون ثمن يفرح قلوب أهالي الشهداء وشعبنا».
على الجانب المصري، صدر أمس قرار رئاسي بفتح معبر رفح بصورة استثنائية لاستقبال جرحى القطاع في مستشفيات العريش، على أن يجري تحويل الحالات الحرجة إلى القاهرة كما في الحروب السابقة، وذلك في ظل وصول عددهم إلى 500 جريح حتى أمس.
سياسياً، تضاربت الأنباء عن دخول رسمي للقاهرة على خط الوساطة بين المقاومة والاحتلال. حتى أمس نفت وزارة الخارجية المصرية أن يكون هناك وساطة «بالمعنى المعروف»، لكن مصادر أكدت لـ«الأخبار» أن الوساطة المصرية تسير على وتيرة عالية للتوصل إلى اتفاق هدنة جديد.
وكان المتحدث باسم الخارجية، بدر عبد العاطي، قد قال إن القاهرة تسعى إلى وقف «العنف المتبادل بين إسرائيل وحماس عبر اتصالات دبلوماسية، لكنها لا تصل حد الوساطة بالمعنى المعروف كما فعلت في الماضي». وأشار عبد العاطي إلى أن هذا النشاط الدبلوماسي المصري لم يصل إلى نتيجة واضحة بعد».
من جهة أخرى، قال مصدر سيادي لـ«الأخبار»، إن هناك جهوداً متواصلة للاستخبارات العامة المصرية، بقيادة اللواء محمد فريد تهامي، من أجل وقف العدوان على غزة، «مع تأكيد قبول الجانبين المبادرات المصرية بشروط». وأشار المصدر إلى أن شروط التفاوض التي ترعاها مصر «تتمثل في توقف حماس عن إطلاق الصواريخ مقابل إيقاف تل أبيب غاراتها على القطاع».
في سيناء، عزّزت قوات الجيش المصري هناك وجودها على طول الشريط الحدودي المتاخم للقطاع، ودفعت بقوات إضافية من رجال الصاعقة والشرطة العسكرية وبعض الأسلحة التكتيكية، فضلاً عن وصول فرقة خاصة من شعبة الاستطلاع التابعة لأحد الأفرع في القوات المسلحة. وأفادت مصادر «الأخبار»، بأن قرار فتح معبر رفح «مشروط بدخول أصعب الحالات الإنسانية التي تحتاج إلى علاج».
في هذا الإطار، نبهت المصادر نفسها إلى أن «قوات الجيش لن تسمح بتكرار مشهد اقتحام الجدار في سيناء الذي سبق أن حدث في الأعوام الماضية»، لكنها قالت في الوقت نفسه إنه «لن تجري مشاهدة الأحداث في الداخل الفلسطيني من دون تدخل مصري سريع».