رام الله | تُدلّل عمليات المقاومة في الضفة الغربية المحتلّة، خلال الـ 48 ساعة الأخيرة، على اتّساع رقعة النار والمواجهة ضدّ العدو الإسرائيلي، الأمر الذي بات مقلقاً بالنسبة إلى الأجهزة الاستخبارية والعسكرية التابعة للاحتلال. وقد سَجّلت الضفة، في المدّة المذكورة، 12 عملية إطلاق نار، و11 نقطة مواجهة، خلّفت إصابات عديدة في صفوف المستوطنين. وإذا كانت مدينتا جنين ونابلس قد تصدّرتا في الشهور الفائتة مشهد المقاومة في الضفة، فإنّ مناطق عدّة دخلت إلى دائرة الاشتباك المفتوح أخيراً، كسلواد وطوباس وروجيب، في ما يبدو أن إسرائيل باتت تتخوّف من تحوُّله إلى انتفاضة شاملة، في ظلّ وجود بيئة قد تدفع باتّجاهها.وشهدت بلدة سلواد، صباح أمس، اشتباكاً مسلّحاً ومواجهات عقب اقتحامها من قِبل قوات الاحتلال، ومحاصَرة الأخيرة لمنزلَين، واعتقالها 3 شبّان، هم: المصاب عبد الرحمن عبد الله حامد، وعز الدين محمد عيسى صبح، وعبد القادر باسم حماد، في مشهد باتت تعيشه سلواد بشكل يومي، على إثر عمليات المقاومة التي تقع قربها، والتي تستهدف حافلات المستوطنين. وقبل تلك المواجهة بساعات، نجا مستوطنون من فكَّي الموت، في عمليتَين وقعتا قرب نابلس أوّل من أمس، أولاهما أصيب فيها مستوطنان بجروح بين متوسّطة وخطيرة، بعد استهدافهما ومَن كان معهما خلال اقتحامهم بمركبتهم الخاصة قبر يوسف في مدينة نابلس، حيث أمطرهم المقاومون بالرصاص وأضرموا النار في مركبتهم، إثر إجلائهم من قِبَل جيش الاحتلال. ومساء اليوم ذاته، تعرّضت حافلة تقلّ عشرات المستوطنين لإطلاق نار قرب مدينة نابلس، حال الحظّ فقط من دون وقوع إصابات في صفوفهم.
وبين الحادثتَين، عاشت بلدة روجيب شرقي نابلس اشتباكاً عنيفاً بين مقاومين وقوات العدو استمرّ لعدّة ساعات، قصفت خلاله الأخيرة المنزل الذي كان يتحصّن فيه الفدائيون بقذائف صاروخية مضادّة للدروع. واضطرّ الشابان نبيل إياد الصوالحي ونهاد عويص، في نهاية الاشتباك، إلى تسليم نفسَيهما بعد ساعات من نفاد ذخيرتهما، وجرّاء نداءات والد نبيل عبر مكبّرات الصوت، ومناشدته ابنه تسليم نفسه، عقب تهديد جيش الاحتلال إيّاه بهدم منزله على رؤوس الموجودين فيه. وتتّهم سلطات العدو الصوالحي وعويص بتنفيذ عدّة عمليات إطلاق نار على حافلات المستوطنين والحواجز العسكرية. وينحدر الشابّان من مخيم بلاطة، الذي دخل أيضاً على خطّ الاشتباك خلال الأيام الماضية، في كلّ مرّة يجري فيها اقتحامه، حيث يتصدّى المقاومون للقوات المقتحِمة بالرصاص. وتنسحب هذه الحال على مخيم الفارعة قرب طوباس، الذي شهد في الساعات الماضية مواجهات عنيفة، تَخلّلها إطلاق مقاومين النار تجاه جنود الاحتلال، في تجدُّد لعمليات سابقة شهدها المخيّم خلال الأسابيع الفائتة.
تُسابق إسرائيل الزمن من أجل منْع تحوُّل خلايا المقاومة الوليدة إلى مجموعات قوية


وباتت حوادث استهداف الحواجز العسكرية في الضفة شبه يومية، إلى جانب التصدّي لكلّ اقتحام وتَحويله إلى اشتباك مسلّح، وهذا الأمر بدأ يثير قلق المستويات الأمنية والاستخبارية في دولة الاحتلال، وخاصة أن الاعتقالات والاقتحامات التي كانت تنفّذها قواتها بسهولة في مدن الضفة وبلداتها، تحوّلت إلى معارك شرسة يخوضها الشبّان الفلسطينيون لساعات. وفي هذا الإطار، كتب المحلّل العسكري لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، رون بن يشاي، أن غالبية عمليات إطلاق النار وإلقاء الزجاجات الحارقة في الفترة الأخيرة تتمّ ضدّ أهداف عسكرية إسرائيلية، مِن مِثل نقاط المراقبة ومعسكرات الجيش والحواجز العسكرية، مضيفاً إن عدم وقوع إصابات في تلك العمليات، مردّه، بحسب تقديرات الجهات الاستخبارية، هو أنها تتمّ من قِبل شبّان غير مدرّبين، وغير تابعين لجماعات فلسطينية منظّمة. وأشار بن يشاي إلى أن من معالم حالة الغليان في الضفة، «المقاومة التي يواجهها الجيش الإسرائيلي وجهاز الشاباك خلال تنفيذ عمليات الاعتقال في القرى والمدن، هذه الحالة لم تكن موجودة قبل عامَين، حيث كانت العمليات تتمّ من دون استخدام النار من جانب الفلسطينيين ولا من جانب الجيش الإسرائيلي». وتابع بن يشاي أنه «يوجد موضوع واحد الآن يشغل الجيش الإسرائيلي وجهاز الشاباك أكثر من الاتفاق النووي الإيراني، وحتى أكثر من تحذيرات حسن نصر الله»، ناقلاً عن مصدر أمني إسرائيلي رفيع قوله: «نُلاحظ حالة من الغليان تتزايد في الضفة وخاصة في شمالها، قد تتطوّر وتتحوّل إلى انتفاضة شعبية عنيفة، وعلى المؤسّسة الأمنية أن تستعدّ لمِثل هذه التطوّرات، ومحاولة منعها». من جهته، علّق الصحافي الإسرائيلي، يهود بن حمو، على اشتباك روجيب بأن «مقاومة عمليات الاعتقال بالرصاص والسلاح باتت مسألة مقلقة لجيش الاحتلال ومخابراته»، لافتاً إلى أن «العمليات التي كانت تنتهي بدقائق، تحوّلت إلى اعتقالات إشكالية ومعقّدة، تشمل استخدام إجراء طنجرة الضغط، إطلاق نار، وحتى استخدام الصواريخ». وأكدت صحيفة «هآرتس» العبرية، بدورها، أن كبار المسؤولين في الجيش و«الشاباك» ووحدة تنسيق عمليات حكومة الاحتلال في الضفة، يتّفقون على رأي واحد، وهو أن الأوضاع في الضفة آخذة في التدهور، وقد تتحوّل إلى واقع عنيف شبه يومي، ويعود ذلك بالأساس إلى ضعف حُكم السلطة الفلسطينية. كما يعتقد المسؤولون أن الحلّ لمواجهة هذا الوضع هو باتّخاذ مبادرات اقتصادية أو سياسية يمكن أن تُخفّف من حدّة التوتر.
وشهدت الضفة الغربية، منذ بداية العام الجاري، ارتفاعاً كبيراً في عمليات المقاومة وإطلاق النار، مقارنة بالأعوام السابقة. إذ ذكرت قناة «كان 11» العبرية أن 60 عملية إطلاق نار ضدّ جيش الاحتلال وقعت منذ بداية السنة حتى نهاية آب، بينما وقعت خلال السنة الفائتة كلّها 50 عملية إطلاق نار، و48 في 2020. إضافة إلى ذلك، شهد هذا العام عشرات الحالات الأخرى التي أطلق فيها مسلحون فلسطينيون النار على قوات الاحتلال أثناء دخولها إلى المدن والقرى الفلسطينية لتنفيذ عمليات اعتقال، بينما نجح العدو، حتى الآن، في إحباط 220 عملية من النوع المذكور ضدّ جنود ومستوطنين، بعد اعتقال مطلوبين وفي أعقاب معلومات استخبارية مركّزة من جهاز الأمن العام (شاباك). وتتّجه الضفة، في الثلث الأخير من السنة الجارية، بحسب كلّ المؤشّرات، إلى مزيد من التصعيد، نظراً إلى اتّساع رقعة اعتداءات الاحتلال وجرائمه، وتسارُع وتيرة مشاريع الاستيطان، وعمليات الاقتحام اليومية للمدن والقرى والبلدات، في مقابل إصرار الفصائل الفلسطينية على تفعيل المقاومة، إضافة إلى غلوّ قادة الاحتلال في عدوانهم مع كلّ يوم يقتربون فيه من الانتخابات العامّة الإسرائيلية في تشرين الثاني المقبل. ومع بداية أيلول، يَدخل صاعق آخر على المشهد في الضفة، يمكن أن يفجّر غضباً شعبياً وعسكرياً، وهو إعلان ألف أسير في سجون الاحتلال الإضراب عن الطعام، الأمر الذي من شأنه أن يضاعف احتقان الشارع الفلسطيني، وخاصة إذا ما تخلّلت ذلك الإضراب عملياتُ تنكيل بالأسرى. وفي السياق، ذكرت «القناة السابعة» العبرية أن هناك مخاوف إسرائيلية من اندلاع انتفاضة داخل السجون وفي مناطق الضفة.
وتُسابق إسرائيل الزمن منذ عملية «سيف القدس» في أيار 2021، وبعدها عملية «نفق الحرية» في أيلول 2021، من أجل منْع تحوُّل خلايا المقاومة الوليدة في شمال الضفة، إلى مجموعات قوية قادرة على البناء ومراكمة القوة وتنفيذ عمليات موجعة. ولذا، فهي كثّفت، منذ ذلك الوقت، من عمليات المداهمة والاقتحام والقتل وفق سياسة «جزّ العشب»، على وقْع تحريض إسرائيلي على ضرورة الحيلولة دون انتقال نموذج جنين ونابلس إلى بقيّة المدن. وتقوم سياسة إسرائيل في الضفة على عنصرَين متوازيَين: أوّلهما الحلّ الأمني والقوّة العسكرية والعقوبات الجماعية لمعالجة تداعيات أشكال المقاومة المتصاعدة؛ وثانيهما تقديم الحلول الاقتصادية والتسهيلات للفلسطينيين، في ما يمثّل تجلّياً واضحاً لسياسة «العصا والجزرة».