إسرائيل تجد نفسها مشدودة نحو مواجهة لا تريدها على جبهة قطاع غزة. هذه هي الخلاصة التي أجمع عليها معلقو الصحف الإسرائيلية أمس، الذين رأوا أن الطرفين، الإسرائيلي والفلسطيني، يلعبان الآن لعبة «أمسكوني» وأن «التدهور نحو الحرب» رهن بصاروخ أو غارة طائشة تؤدي إلى خسائر بشرية لدى طرف لا يحتملها الطرف الآخر.
في صحيفة «هآرتس»، رأى محلل الشؤون العسكرية، عاموس هارئيل، أن حماس «وفقاً لتصريحاتها وصلياتها الصاروخية تزيد مبلغ المقامرة، وما يحصل الآن بين الأطراف هو اللعبة الأكثر شعبية في المنطقة منذ سنوات، ألا وهي لعبة «أمسكوني»: كل طرف يحاول أن يوضح لخصمه أنه مستعد للذهاب حتى النهاية إذا لم تتم الاستجابة لمطالبه، رغم أن ثمة شكاً في ما إذا كان لديه مصلحة في التصادم».
من جهته، رأى ناحوم برنياع في صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن ما حصل أمس «بعد أيام من عدم اليقين هو وضوح ما في مواجهة حماس». فـ«حماس»، برأي الكاتب، «تفعل الكثير جداً، أي إطلاق100 صاروخ، لتجر إسرائيل إلى داخل القطاع، ومن شبه المؤكد أنها تفعل ذلك يأساً، لأن هذا بحسب تصورها هو الخيار الوحيد الباقي لها». ورأى برنياع أن بالإمكان «أن نرى ما يحدث في الأيام الأخيرة في غزة جولة تقليدية: حماس تطلق الصواريخ على أشكول ونرد نحن بإطلاق سلاح الجو النار على أهداف خالية؛ ويوسعون هم إلى شاعر هنيغف وإلى سدروت بعد ذلك، ونوسع نحن القصف فيتجهون حتى عسقلان ونتيفوت واوفكيم؛ ونجند ألوية مشاة، فيتجهون إلى بئر السبع وكريات غات ويفنه، فنوسع القصف ونهدد بالدخول؛ ويتجهون إلى ريشون لتسيون وهنا يقف الأمر على نحو عام». لكن «المشكلة في هذه اللعبة» بحسب الكاتب «أنه يوجد دائماً احتمال أن ينجح أحد الطرفين أكثر مما ينبغي، فيوقع عدداً كبيراً من الإصابات، فلا يكون مناص أمام الطرف الآخر من توسيع القتال، إما باتجاه تل أبيب (من ناحية حماس) أو باتجاه دخول المشاة إلى غزة (من ناحيتنا)».

«معاريف» : ندخل إلى تدهور شامل يمكن في أيّ لحظة أن يدخلنا إلى غزة


وتحت عنوان «هكذا نتدهور إلى الحرب»، كتب بن كسبيت في صحيفة «معاريف» أنه «برغم أن إسرائيل لم تقرر بعد الدخول إلى غزة، وليس للقيادة الإسرائيلية نية في تحويل العطلة الصيفية إلى كابوس نازف، فإننا ندخل، ابتداءً من أمس، إلى تدهور شامل يمكن في أي لحظة أن يدخلنا إلى غزة». وفي شرحه لطبيعة الموقف الإسرائيلي، رأى كسبيت أن «نتنياهو يتمزق: فمن جهة، هو يخشى المغامرة العسكرية، وهو يعرف أنه لا يملك الثقة الدولية السخية التي كانت لأرييل شارون أو الثقة غير المحدودة التي كانت لإيهود أولمرت. كذلك فإنه يعرف أن من الصعب على زعيم يميني أن يقوم بحرب، بالضبط مثلما هو صعب جداً على زعيم يساري صنع السلام». لكن «من جهة أخرى»، يتابع كسبيت، «توجد معركة ضروس على قيادة اليمين، وبينيت وليبرمان يطاردانه ويعتبران أنه قوي حيال حماس بالأقوال، لكنه هزيل بالأفعال، ولذلك عليه أن يتشدد. إلا أن المشلكة أنه عند التشدد، يقوم الطرف الآخر بالتشدد أيضاً، وفي النهاية نحصل على تشدد كامل، وهكذا يتم التدهور إلى الحروب في الشرق الأوسط. بيبي لا يريد أن يصل إلى هناك، ولكن يحتمل أن يُجر إليه».
وفي صحيفة «إسرائيل اليوم»، رأى محلل الشؤون العسكرية، يوآف ليمور، أن كلاً من «إسرائيل وحماس دخلتا في دوار التصعيد المعروف الذي كان يبدو أمس محتوماً»، لكنه أشار إلى أنه «برغم الغضب العام والسياسي وطلب الرد الواسع، لا توجد في إسرائيل الآن نية للخروج في عملية واسعة في غزة، والدليل على ذلك هو استمرار الاتصالات غير المباشرة بوساطة مصرية، والتي ترمي إلى محاولة إحراز تهدئة برغم كل شيء». وإذ قدّر أن هذه الاتصالات تبدو إلى الآن من دون أمل، رأى ليمور أن «الجهد الرئيس الآن هو لمنع اتساع دائرة القتال وراء خط الأربعين كيلومتراً: فحماس حذرة إلى الآن ألا تطلق صواريخ على غوش دان (منطقة تل أبيب)، لكن الامر قد يتغير إذا زاد عدد المصابين في القطاع بسبب هجمات سلاح الجو، كما أنه قد يكون للمصابين في الجانب الإسرائيلي أيضاً تأثير كبير في مسار اتخاذ الحكومة للقرارات وفي مجال مناورة الجيش الإسرائيلي».
وشذّ عدد من الكتاب الإسرائيليين عن نهج التحفظ من المواجهة العسكرية على جبهة غزة، منهم نداف سرغاي الذي وجّه انتقاداً قاسياً لسياسة الاحتواء التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية حيال تصعيد المقاومة في غزة. وكتب سرغاي أن سياسة الاحتواء «مخطئة ومضللة... فالعنف لا يمكن احتواؤه، لأن الاحتواء يوحي بالضعف والعجز، وهو نقيض الردع، كما أن الاحتواء يمكّن حماس ومشتقاتها من الاستمرار في إطلاق الصواريخ». أضاف الكاتب «الاحتواء يطلب الهدوء بأي ثمن، لكنه يبني أساس التصعيد التالي، وهو يرهن الحاضر للمستقبل بثمن باهظ سيجبى لاحقاً، كما أنه يمكّن الإرهاب والكراهية من الاستمرار على بناء قوتهما بصورة منهجية في دولة حماس». وتساءل سرغاي «هل انتخبنا حكومة احتواء وطني؟ وهل أصبح الجيش الإسرائيلي وشرطة إسرائيل قوات احتواء إسرائيل؟» وتابع «يجب أن نعلم أن الاحتواء هو الذي قلب الأمور هنا رأساً على عقب، وهو الذي حوّل الجبهة الداخلية بالتدريج إلى جبهة تنتحر بتحصينها لنفسها في حين يجب أن يكون الجيش الإسرائيلي وجنوده هم الجبهة الأمامية وأن يهتموا بأن تبقى الجبهة الداخلية جبهة داخلية، فهذا عملهم ولهذا تم إيجادهم، وعلى ذلك تدربوا». وخلص سرغاي إلى أن «الاحتواء يجر الاحتواء، ونحن اليوم ندفع ثمن الاحتواءات السابقة، وسندفع غداً ثمن الاحتواء الحالي، وقد أصبح الثمن الآن باهظاً؛ فإذا لم نصحُ فسيزيد الثمن بعد».