من يمرّ في شوارع بعبدا، لا بد أن تقع عيناه على لافتات مرفوعة في سمائها تطالب بإنقاذ مدرسة بعبدا الرسمية "قبل فوات الأوان". تقود الحشرية لمعرفة ماذا يجري فعلاً، وتتزاحم الأسئلة عن مصير المدرسة، هل ستُقفَل ويشرَّد عشرات التلامذة الفقراء الذين يتخذونها ملاذاً لهم؟ وماذا سيحلّ بالمعلمين؟ هل يتعلّق الأمر بأخطاء في الإدارة؟ لكن في الحالة الأخيرة يمكن تغيير الإدارة وليس إقفال المدرسة! البحث عن أجوبة لهذه الأسئلة لدى الأهالي المقيمين في المنطقة، يأتي محمّلاً باعتراضاتهم على الفوضى التي تعمّ المدرسة، وسوء تعامل الإدارة مع أبنائهم وممارسة الضغوط عليهم، ما دفعهم إلى مراجعة البلدية ومطالبتها بالتدخل سريعاً إنقاذاً للوضع وتفادياً لتسرّبهم من المدرسة. حاولت "الأخبار" الاتصال برئيس البلدية، أنطوان الحلو، لكنه رفض الإدلاء بأي حديث صحافي.
مصادر بلدية روت أن البلدية تدخلت بعد توسّع رقعة الاحتجاجات الرافضة لتصرّفات الإدارة لتشمل التلامذة والمعلمين، إلا أن إدارة مدرسة بعبدا الرسمية المختلطة "لم تبد أيّ تعاون مع مساعيها للملمة الوضع وأصرّت على نهجها الكيل بمكيالين واعتمادها الشتاء والصيف تحت سقف واحد، ولم يجر استيعاب التلامذة الذين تسبّبت فترات التباعد الاجتماعي بتداعيات في نفوسهم من جراء العزلة المنزلية والحضور المتقطع إلى المدرسة". عند هذا الحد، ثارت ثائرة الأهالي وحضروا تباعاً إلى البلدية وبدا غضبهم أكبر من محاولات التهدئة التي بذلتها البلدية، فطلبت الأخيرة ترك الأمر في عهدتها للعمل على تصحيح الوضع.

المنطقة التربوية
في منتصف آذار الماضي، كلّف المجلس البلدي في بعبدا رئيسه أنطوان الحلو متابعة الشكاوى الواردة من الأهالي عن تردّي الأمور في المدرسة، والارتدادات السلبية على المستوَيَيْن التربوي والتعليمي مع الوزير المختص، أي مع وزير التربية. واستند هذا التكليف إلى المرسوم الاشتراعي 118/77 وتعديلاته (قانون البلديات) والذي ينصّ في مادته 49 الفقرة 21 على الآتي: "من صلاحيات المجلس البلدي مراقبة النشاطات التربوية وسير العمل في المدارس الرسمية والخاصة وإعداد التقارير إلى المراجع التربوية المختصة".
بناء على هذا التكليف، راجع الحلو، بحسب المصادر البلدية، رئيس المنطقة التربوية في جبل لبنان بالتكليف، جيلبير السخن، في محاولة لمعالجة الوضع المتأزّم قبل خروجه إلى العلن وتحوّله إلى قضية رأي عام، لكن البلدية فوجئت بعدم اكتراث السخن، بل إنها لمست تضامن المنطقة التربوية مع الإدارة وتغطيتها لممارساتها وتصرّفاتها.

مناشدة الوزير
ولما لم تجد مراجعة المنطقة التربوية نفعاً، وجّه الحلو، في أواخر آذار، كتاباً إلى وزير التربية، عباس الحلبي، شرح فيه وضع المدرسة الحالي وأبدى استعداد البلدية لتمويل المدرسة وتحويلها إلى نموذجية. وفي الكتاب، أن مراجعات أولياء تلامذة مدرسة بعبدا الرسمية للبلدية تكاثرت، وعلى مراحل متتالية، وقد حاولت البلدية تهدئة خواطر الأهالي وإعطاء الفرصة للإدارة لتحسين أدائها التربوي، إلا أن أيّ تقدم لم يحصل على هذا المستوى، بل انزلقت الأمور إلى الأسوأ في السنتين الماضيتين، وحدث استغلال للمنصب لأشخاص غير كفوئين، ما أدى إلى تدهور نسبة النجاح في الامتحانات الرسمية إلى 50%، وإلى تجاوزات إدارية ومسلكية وتربوية فاقت الوصف، على ما تقول المصادر.
انخفض عدد التلاميذ من 300 إلى 100 ولم يتسجّل حتى الآن سوى 57

وطالب الكتاب الحلبي باتخاذ التدابير العاجلة لوضع حدّ للممارسات المرفوضة، التي يؤدي استمرارها إلى المزيد من التسرّب المدرسي. وهنا ذكرت المصادر أنه منذ 4 سنوات جرى دمج مدرستين في بعبدا، الأولى للبنات والثانية للصبيان في مدرسة واحدة مختلطة، وبعدما كان عدد التلامذة يناهز 300 تلميذ، وصل العدد في السنة الماضية إلى 100 تلميذ، فيما لم يتسجّل هذا العام حتى الآن سوى 57 تلميذاً.
وعلى خط آخر، أبدى الحلو للوزارة استعداد البلدية للتنسيق مع الوزير وخلق مدرسة نموذجية في المستوى الأكاديمي والأخلاقي تواكب التطوّر التكنولوجي وتغيّر النظرة المكوّنة ظلماً عن المدرسة الرسمية، معلناً الاستعداد لتقديم الدعم اللازم لتحقيق هذا المشروع.

التفتيش التربوي
وعندما بدا أن المساس بالإدارة خط أحمر، لجأت البلدية إلى التفتيش المركزي، وعبره إلى التفتيش التربوي، وقدّمت شكوى تفصيلية بالتجاوزات موثقة بالاعترافات الصوتية والأدلة الحسية، وقد بدأ التفتيش تحقيقاته فاستدعى حتى الآن الإدارة و3 معلمات معنيات بالقضية. "الأخبار" علمت أن المعلمات الثلاث غادرن المدرسة نتيجة هذه التجاوزات وسوء المعاملة، فيما يراهن الأهالي والمعلمون والمجلس البلدي على الجهة الرقابية الحيادية وصدقية التحقيق لجهة عدم وقوع الملف في براثن الضغوط والتجاذبات السياسية. وتقول المصادر البلدية إن إدارات المدارس ليست إمارات خاضعة لأمزجة من يديرها، بل تخضع كما باقي إدارات الدولة لحكم القانون والأنظمة المرعية الإجراء. «الأخبار» ستتابع مجريات التحقيقات في التجاوزات والنتائج التي ستتوصل إليها.