بهدوء يوازي حياتها، غادرت الممثلة السورية المخضرمة أنطوانيت نجيب (1945ـــــ 2022) عالمنا صباح أمس. لعلّها تجسيد لفكرة طوباوية عن إنسان يعيش ويرحل بسجلّ ولو كان حافلاً بالإنجاز، لكنّه كان صفرياً لناحية المشاكل أو النزاعات، وبأثر ينافس العطر، لا يمكن له إلا أن يكون طيّباً أينما حلّ! أو لنقل بأنها كانت بحضورها الحياتي وطاقتها الإنسانية المحبّة، والسلام الصريح الذي توزّعه، تشبه التحيّة التي وجّهها الشاعر الراحل محمود درويش إلى والدته في قصيدة «تعاليم حورية»: «وقَعَت كزرّ الثوب فوق الرمل» عبارة عن تحيّة عابرة بين أمّ وابنها، وإن لم يُسمع لها صدى، فإنها ستشكّل أبلغ إحساس وجداني مترف بالصدق والحنّية!
الدور الأكثر تميّزاً وصوغاً لجماهيريتها كان في المسلسل الاجتماعي «الفصول الأربعة»

في السنوات الأخيرة، كان تقريباً الخبر الوحيد الذي تتصدر به الإعلام هو خبر مرضها أو شائعات وفاتها واللمة الافتراضية حولها من قبل بعض الممثلات السوريات، إلى جانب تصريح أثيرت حوله بلبلة يخصّ اللاجئين السوريين في لبنان، عدا التركيز الدائم على عمرها، على اعتبار أنّ المرض لم يثنها عن رغبتها العارمة في الوجود بين الناس ضمن الاحتفالات، أو الإطلالات الإعلامية التي كانت تمثّل دعماً معنوياً وتخلق حماساً فعلياً وتكرّس ثقافة حياتية تمتلكها!
البداية مع مهنة الشغف كانت كما بقية أبناء جيلها، انطلاقاً من نقابة الفنانين السوريين سنة 1968 سبقها ظهور في فيلم بعنوان «عاريات بلا خطايا». بعد انتسابها إلى النقابة، عادت إلى الشاشة الكبيرة في أفلام مثل «شقة الحب» و«امرأة حائرة»، ثم سجّلت حضوراً بسيطاً في الأيقونة التلفزيونية الخالدة «صح النوم»، إلى جانب كوكبة من نجوم الكوميديا السورية المعروفين. تلت ذلك مراحل توقّف متقطعة لكن طويلة عن المهنة إما بسبب الحياة العائلية أو لتراجع سوية الشغل في تلك الحقب الزمنية، لتعود بأسلوب مكثّف في تسعينيات القرن الماضي وتقدّم مجموعة من التجارب التلفزيونية المهمة في «الجوارح» (هاني السعدي ونجدة أنزور)، و«إخوة التراب» (حسن م يوسف ونجدت أنزور)، و«أيّام الغضب» (محمد قارصلي وباسل الخطيب)، و«المحكوم» (رياض سفلو ومحمد فردوس أتاسي). لاحقاً، سجّلت حضوراً متكرراً في سلسلة «مرايا» (مجموعة كُتاب ومخرجين) وكذلك في سلسلة «حمام القيشاني» (دياب عيد وهاني الروماني) ليكون الدور الأكثر تميّزاً وصوغاً لجماهيريتها في المسلسل الاجتماعي المعروف «الفصول الأربعة» (الأول والثاني ـــ كتابة دلع الرحبي وريم حنا وإخراج حاتم علي)، بدور «الخادمة نعيمة» التي لم تكن سوى واحدة من أفراد العائلة الكبيرة. قدّمت نجيب في أدائها مفردات فاعلة ونموذجية، ولعبت خارج النمطية السائدة لهذه الشخصيات العائمة غالباً في طرحها الدرامي المحلي. خلال كلّ مشوارها، تميّز أداء أنطوانيت نجيب بالعفوية والانسجام مع المفهوم الحديث أصلاً لفن التمثيل، والذي لا يتطلّب استعراض مقدرات أدائية إلا حينما يتطلب المشهد ذلك.
قدّمت مجموعة من التجارب التلفزيونية المهمة في «الجوارح» و«إخوة التراب» و«أيّام الغضب»


أما عن آخر ما قدّمته، فكان باقتراح من المنتج الفني فراس الجاجة في مسلسل «شارع شيكاغو» (2020 لمحمد عبد العزيز) ثم إعلان تجاري قبل أشهر، مع المخرج الشاب عمرو حاتم علي. في حديثه مع «الأخبار»، يقول حفيدها الممثل فادي الشامي إنه «خسر ملهمته الأولى، والفرحة الخصبة التي تفتّحت عيناه عليها، وجعلته يتعلّق بالأضواء ويفكر أن يصير ممثلاً». أما ابنتها سماح شويري، فتقول لنا: «اضطررنا لإبعادها عن الشاشات في الفترة الأخيرة، لأنها كانت تخضع لغسيل الكلى دورياً، ما نتج عنه تفاقم الوضع الصحي. كان عليّ أن أبدّد المسافة بيننا واقعياً، وأن أعيش معها، ومن ثم صار لزوماً أن نحقق فكرة الشغل اليومي بأن تبقى صورتها الجميلة في أذهان الناس، من دون الإطاحة بالدعم المعنوي الذي كان يشكّله لها ظهورها الإعلامي. المهمة كانت صعبة، لكنّ الأصعب فعلاً هو الفراق الأبدي. العزاء الصادق في كلّ هذه المحبة التي نلمسها الآن عند زملائها ومحبّيها وجمهورها».

* تُشيّع الراحلة عند الثانية من عصر اليوم الخميس إلى «كنيسة الصليب للروم الأرثوذكس» في حي القصّاع في دمشق. على أن تتلقّى عائلتها التعازي بعد الدفن مباشرة، ومن ثم يوم غد الجمعة وبعد يوم غد السبت من الساعة 6 وحتى الساعة 8 مساءً في قاعة «كنيسة الصليب».