حتى الآن، لم يصدر عن قُضاة المحكمة العسكرية الدائمة «فتوى» تُتيح إصدار استنابة قضائية بحق النائب البطريركي في القدس والأراضي المقدّسة والمملكة الهاشمية وراعي أبرشية حيفا للموارنة المطران موسى الحاج للمثول أمام المحقّقين على خلفية نقله أموالاً وأشياء أخرى من فلسطين المحتلة، رغم وضوح مواد القانون في هذا الصدد. وبحسب معلومات «الأخبار» فإن حالاً من التخبط تسود «العسكرية» منذ إصدار مفوّض الحكومة «بالإنابة» فادي عقيقي، إشارة قضائية بإخضاع المطران لآلية التفتيش المعتمدة عند معبر الناقورة ومصادرة ما حمله وتركه رهن التحقيق، في وقت يتنقل المطران بين الصروح السياسية، بمؤازرة من البطريرك بشارة الراعي، تحت عنوان «إتاحة الفرصة للمطران لشرح موقفه»!
(هيثم الموسوي)

في آخر معطيات التحقيق، تبين أن اللائحة التي عُثر عليها في حوزة المطران الحاج، تضم أكثر من 300 اسم مستفيد من الأموال التي نقلها أو كان ينقلها. وفي حين عُلِمَ أن الكنيسة طمأنت «أصحاب الحقوق» بأنها تسعى إلى «تحرير الأموال»، علمت «الأخبار» من مصادر قضائية رفيعة، أن الإجراءات القانونية «ماشية»، وأن «ما تمت مصادرته أتى لطبيعة الاشتباه بالمصدر والجهل بالهدف والنقل غير الشرعي ولكون الأموال والأشياء المرسلة ناتجة عن عمالة».
وفي حين بات الجرم المرتكب من قبل المطران واضحاً ويتصل بخرق قانون «مقاطعة إسرائيل»، يشاء البعض إدخال إشكالات قانونية تحت مسميات متعددة، كإثارة موضوع القانون الكنسي الخاص بالكنائس الشرقية الصادر عام 1990 عن الفاتيكان، والذي يمنع في المادة 1060 محاكمة الأساقفة جزائياً أمام المحاكم المدنية في الدول حيث القانون يُعد نافذاً.
غير أن نقض القانون ممكن بسهولة في حال اتخاذ عينات محاكمات جرت لأساقفة كاثوليك في عدة بلدان وإسقاطها على حالتنا اللبنانية:
محكمة كاين الفرنسية، أصدرت عام 2021 حكماً غيابياً بالسجن 15 عاماً على الكاهن اللبناني منصور لبكي بعد إدانته بتهم اغتصاب أطفال والاعتداء عليهم جنسياً. وفي الهند، واجه الأب جورج بونياه كاهن أبرشية كوزيثوراي جنوب البلاد محاكمة بتهمة استخدام خطاب كراهية خلال اجتماع عُقد عام 2021، واعترض خلاله على القيود المعتمدة من قبل الدولة خلال جائحة كورونا بما فيها إقفال الكنائس.
وفي الأرجنتين، خضع القس شابلن كريستيان لمحاكمة بتهم انتهاك حقوق الإنسان أثناء عمله في عدة مراكز اعتقال سرية خلال الحكم الديكتاتوري العسكري للبلاد خلال أواخر سبعينيات القرن الماضي.
أحكام القانون الكنسي تُطبَّق على الأساقفة في حال وجود حالات داخلية تتصل بالكنيسة


العينة أعلاه والتي لا تحمل على الشك في إجازة القانون العام في الدول ملاحقة الأساقفة، يؤكدها أكثر من مرجع قضائي وخبير قانوني لبناني تحدّثت إليهم «الأخبار»، إلى جانب ما يرد في مقدمة الدستور – الفقرة ج «... المساواة في الحقوق والواجبات بین جمیع المواطنين دون تمایز أو تفضیل». فهل يُجاز إخضاع رئيس الجمهورية للتحقيق أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء وتطبيق أحكام قانون العقوبات عليه فيما لا يصح في ما له صلة برجل دين؟
بشكل عام، «يتفوّق القانون العام على القانون الخاص، وهو أقل درجة منه ولا يخضع له أو يلزم القانون العام بشيء»، يقول المحامي علي محبوبة لـ«الأخبار». مضيفاً أن أحكام القانون الكنسي تُطبق على الأساقفة في حال وجود حالات داخلية تتصل بالكنيسة، وبالتالي يصبح القانون بقياس القوانين، أقرب إلى «نظام داخلي لمجلس تأديبي».
إلى جانب ذلك، فالقانون المذكور الذي اتُّخذ من جانب قاضي التحقيق العسكري الأول فادي صوان كتبرير لعدم استدعاء المطران الحاج في قضية توقيف العميل يوسف الفاخوري خلال الربيع الماضي، غير مصدّق في مجلس النواب وليس هناك نص تشريعي لبناني يدعمه، ويخالف نص القرار رقم 60 / ل.ر الصادر عام 1951 الذي حدّد صلاحية المراجع الكنسية المسيحية واليهودية، وإنما اكتفى بعرضه على مجلس الوزراء ليصدُر قرار باعتماده! مع الإشارة إلى أن قرار الحكومة في هذا السياق غير ملزم. وهذا ما يؤكده عضو الدائرة القانونية في مجموعة «الشعب يريد إصلاح النظام» المحامي نجيب فرحات لـ«الأخبار» حيث إن المحاكم المذهبية تصدر أحكامها في النطاق المحدّد بالقانون 60/1951 الذي حدّد صلاحيات المراجع المذهبية ولم يعطها حقّ النظر في الأمور الجزائية.