الصمت الذي ساد الأوساط الإسرائيلية رسمياً وسياسياً وإعلامياً يعني أمراً واحداً: تل أبيب فوجئت بالسقف العالي لخطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أول من أمس.في مثل هذه الحالات، تلجأ إسرائيل الى الصمت الرسمي، وتعمل الرقابة العسكرية على منع اجتهادات المعلقين والمراقبين، فيما تنحصر التسريبات الضئيلة بالجهات الدبلوماسية التي تنشط لمعرفة ردود الفعل، وسط أجواء توتر تسود المنطقة كلها، وليس فقط منطقة الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة.
صحيح أن الجميع منشغلون بزيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للأراضي المحتلة ولقاء الرياض الذي يستهدف خلق إطار لرفع مستوى التطبيع بين كيان العدو وعدد غير قليل من الدول العربية. لكن من يذهبون الى الرياض، كما من يراقبون نتائج الاجتماعات فيها، يعرفون أن موقف حزب الله من ملف الطاقة لم يعد منفصلاً عن هذا السياق الإقليمي، ذلك أن سعي الأميركيين الى الارتقاء بلغة التهديد للدول المنضوية في محور المقاومة لن يتجاوز في هذه المرحلة سقف العقوبات الاقتصادية الواسعة. ورغم أن الحرب ليست مدرجة على جدول أعمال حلفاء أميركا، لكن المواجهة القائمة على سلاح الحصار والتجويع باتت حرباً مكشوفة بالنسبة إلى أطراف محور المقاومة، ومنها لبنان. ما يعني أن أصداء خطاب نصر الله لن تقف عند حدود لبنان والكيان الإسرائيلي، وستصل الى مسامع كل المشاركين في لقاءات الرياض.
لبنانياً، كانت الصدمة واضحة لدى غالبية القوى. لكن التعليقات التي صدرت عن «صبيان» السفارتين الأميركية والسعودية لا معنى لها في هذه اللحظة السياسية التي تحوّل فيها موقف رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الى عنصر شراكة مع الوجهة التي أعلن عنها السيد نصر الله. وفيما المشاورات مقطوعة بين أركان الدولة، حيث لا كلام بين الرؤساء الثلاثة بسبب الخلاف على الملف الحكومي، كرر الرئيس ميشال عون التزام لبنان تحصيل حقوقه كافة والتزامه التفاوض الهادف الى ضمان هذه الحقوق. الموقف الذي لم يرق الجانب الأميركي الذي حاول تنشيط اتصالاته السياسية مع قوى في الحكم وخارجه لإطلاق حملة ضد حزب الله، وهو أمر يبدو متعذراً في ظل عدم قدرة الأميركيين على تنفيذ أي من الوعود التي قدّموها لمساعدة لبنان في ملف الطاقة منذ أكثر من عام.
ورصد مراقبون أنه على عكس الأجواء التي تلت عملية المسيّرات فوق منصة «كاريش»، في الثاني من الشهر الجاري، التزمت الجهات الخارجية المعنية بالملف الصمت التام، ولم تُسجل إلا اتصالات خجولة من جانب السفارتين الأميركية والفرنسية، وهو ما عزته مصادر رفيعة المستوى إلى «حساسية الموقف واستشعار مدى جدية التهديد الذي أطلقه السيد نصر الله، ما يلزم كل الأطراف بالتروّي قبل إطلاق أي موقف». مع الإشارة الى أن لبنان تلقى معلومات غير رسمية عن «قرار بتنشيط مهمة الوسيط عاموس هوكشتين» مباشرة بعد انتهاء جولة الرئيس الأميركي في المنطقة.
لبنان تلقّى معلومات غير رسمية عن تنشيط مهمة هوكشتين فور انتهاء جولة بايدن في المنطقة


في غضون ذلك، نقلت أوساط مطّلعة عن مرجعيات رسمية ارتياحها إلى ما ورد في الخطاب، واعتبرت أنه وضع نقطة قوة لبنان في تصرف المفاوض اللبناني، بما يضغط على الأميركيين والإسرائيليين لعدم اللجوء إلى تقطيع الوقت.
ورأت مصادر رفيعة في التيار الوطني الحر أن الخطاب «يمكن أن يساعد في التوصل إلى حل لملف الترسيم. إذ إن المطروح على الإسرائيليين أمام شعبهم هو استخراج النفط والغاز وترسيم الحدود وتفادي مشكل في المنطقة». وأكّدت «أننا مع العمل لحل دبلوماسي، ولسنا هواة حرب. وهناك اليوم فرصة حقيقية لإقفال هذا الملف نخشى أن يهدرها الإسرائيلي».

باسيل: المقاومة قوّتنا
وفي كلمة له سُجّلت قبل خطاب الأمين العام لحزب الله، ونُشرت أمس، شدّد رئيس التيار النائب جبران باسيل في فقرة «دقيقة مع جبران» التي تبثّ عبر «تويتر»، على «أننا نريد حقوقنا، وهي ليست عبارة عن الحدود فقط، وإنّما هي فعلياً الموارد التي تكمن في أسفلها، إذ إنه لا قيمة للثروة النفطية والغازية في حال بقائها مدفونة تحت البحر»، مؤكداً أن «ورقة المقاومة هي عنصر قوة للبنان إذا عرفنا كيفيّة استخدامها بهدف ترسيم الحدود واستخراج الموارد وتحصيل الحقوق».
وقال: «المعادلة واضحة بالأمن على البر، وبالتالي يجب أن تكون مثلها واضحة أيضاً بالغاز في البحر»، مضيفاً: «تتصرف الدولة القوية بالقول: تريدون غازكم؟ نريد غازنا. وهكذا تحفظ الكرامة الوطنية وتكون السيادة».
وذكّر باسيل بأنه «عندما وضعنا معادلة قانا - كاريش، صار البعض يُعلّق يميناً ويساراً بشيء ينمّ عن الفهم وعن اللافهم، ثم فسّروا تعليق الموفد الأميركي (هوكشتين) بغير معناه لأنهم لم يفهموا كم أصابت هذه المعادلة»، مؤكداً أنه «ليس المهم أن نرسّم الحدود فحسب، وإنما أيضاً أن نستخرج النفط والغاز».