على مدار الاشهر الأربعة الماضية، برز اسم مخيّم الهول بشكل متزايد، سواءً بسبب ارتفاع معدّلات الجريمة فيه، أو على خلفيّة حالات الهروب المتتالية منه، ضمن ظروف مشبوهة، وسط تقاذف بين «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد) التي تُحمّل منظّمات تركية مسؤولية تلك الحالات، وبين هذه الأخيرة التي تتّهم «قسد» بتهريب أشخاص مقابل مبالغ مادّية. وفي ظلّ أوضاع معيشية بالغة السوء في المخيّم المؤلَّف من تسعة قطاعات، أُنشئت فيها خيام قماشية، وسط بيئة قاحلة تعاني بشكل متكرّر من انقطاع مياه الشرب، يمثّل «الهول» أداة سياسية متعدّدة الاستخدامات، بعضها يتعلّق بعمل المنظّمات الإنسانية والإغاثية، وبعضها الآخر يتّصل باستغلاله في تمتين علاقات «قسد» وذراعها السياسي «مسد» (مجلس سوريا الديموقراطية)، مع دول أوروبية عدّة، من بوّابة استعادتها عائلات مقاتلي «داعش» الذين يحملون جنسيتها، وما يرافق ذلك من محاولات مساعدة «قسد» مقابل إبقاء هؤلاء لديها لِما يمثّلونه من خطر على أمن دُولهم. وأمام هذه المعادلة، تُصدِّر «قسد» نفسها على أنها «جسر حماية» يقي الدول الأوروبية خطر «الجهاديين» و«أشبال الخلافة» المكدَّسين في المخيم. وإذ تعمل «قسد» على تقديم تقارير دورية حول أوضاع تلك العائلات ومدى إمكانية إعادة بعضها، فإن ذلك يمنحها بشكل أو بآخر نوعاً من «الشرعية»، عن طريق التعامل معها على أنها كيان مستقلّ، وتقديم دعم سياسي وحتى مادّي لها. ويعزّز هذا الدعمَ أيضاً قرارُ الولايات المتحدة الإبقاء على قواتها في سوريا، وتقديم مساعدات إضافية لـ«قسد»، بما يضمن إقامة «كانتون» كردي يكفل لواشنطن مصالح عدّة، بعضها يتعلّق بحقول النفط التي تسيطر عليها الأخيرة، وبعضها الآخر يتّصل بالتوازن السياسي الذي يحاول الأميركيون فرضه، سواءً في وجه تركيا، أو في وجه روسيا والحكومة السورية.
وبالإضافة إلى الاستثمار السياسي في العلاقات مع الأوروبيين، والذي يتيحه بقاء «الهول» أمام «قسد»، يفتح وجود نحو 30 ألف عراقي في المخيّم الباب أمام الأخيرة لنسج علاقات مع أطراف عراقية عدّة. وعلى رأس تلك الأطراف، تأتي الحكومة العراقية التي تَنظر إلى البؤرة الجاثمة على خاصرتها، والتي لا يفتأ يزداد خطرها، بمزيد من الحرص على تفكيكها بمختلف الطرق، سواءً عن طريق الطلب من واشنطن ممارسة ضغوط على الدول التي تنتمي إليها العائلات المحتجَزة في «الهول» لاستعادتها، أو عبر تنشيط عمليات استعادة العائلات العراقية ونقلها إلى مراكز متفرّقة من البلاد، آخرها 150 عائلة أُجليت إلى الموصل الشهر الماضي. وإلى جانب الحكومة، يأتي إقليم كردستان العراق، والذي يمثّل لـ«قسد» متنفّساً تجارياً، تسعى إلى توسيع العلاقات معه من دون التورّط في صلات سياسية، يُحتمل أن تتمدّد من خلالها أحزاب «المجلس الوطني الكردي» المدعوم من أنقرة وإربيل، على حساب «حزب الاتحاد الديموقراطي» الذي يقود «قسد».
تُصدِّر «قسد» نفسها على أنها «جسر حماية» يقي الدول الأوروبية خطر «الجهاديين»


وأمام هذه التشابكات المعقّدة للمصالح السياسية والاقتصادية وحتى الميدانية، يستمرّ المخيّم في تغذية التطرّف، الذي استغلّ «الهول» كساحة تدريب وتعليم آمنة، بل ونقطة انطلاق لتنفيذ عملياته، خصوصاً أن هذا المكان يضمّ «جيشاً من الأطفال» المتشبّعين بالأفكار المتشدّدة، والذي تلقّى بعضهم تدريبات عديدة خلال سنوات سيطرة التنظيم على تلك المنطقة (قبل عام 2019)، ويمكن استثمارهم بسهولة في شنّ هجمات انتحارية. وتتوقّع منظّمة «أنقذوا الطفولة»، كما جاء في تصريح لمديرة الاستجابة في سوريا، سونيا كوش، أن يؤدّي المعدّل البطيء لتعامُل الحكومات مع عملية إنقاذ الأطفال، إلى أن يصل بعضهم إلى منتصف العمر قبل مغادرة المخيمات.
في الوقت الحالي، يمرّ «الهول» بما تصفه مصادر ميدانية تحدّثت إلى «الأخبار»، بــ«اللحظات الحرجة»، حيث بدأت تزداد حالات التمرد، وترتفع معدّلات الجريمة، بالتزامن مع اهتمام مقاتلي «داعش» الذين ينشطون خارجه في اختراقه و«تحرير عائلاتهم» منه، واستعماله كنقطة انطلاق ووسيلة إمداد بالمقاتلين. وتتحدّث المصادر عن عمليات «تصفية» تُنفّذها خلايا نشطة ضدّ مَن يُشتبه بعمالته، بالإضافة إلى بعض العمليات الانتقامية الناجمة عن تَورُّط بعض حراس المخيم من قوات «الأسايش» (قوات الأمن الداخلي الكردية التابعة لقسد) في علاقات «مشبوهة» مع كثير من العائلات. وفاق عدد الجرائم المُسجَّلة في الأشهر الأخيرة، 25 جريمة، بعضها تمّ تنفيذها على طريقة «داعش» التقليدية، أي فصل الرأس عن الجسد. كما تَكرّرت حوادث الانفلات الأمني والإضرابات وإحراق الخيم، ما يُنذر، وفق المصادر، بأيام صعبة جدّاً، في ظلّ إصرار الأطراف المسؤولة على الاستمرار في استثمار هذه «القنبلة الموقوتة».