المطالبة بربط مزيد من القرى في الجنوب والشوف والبقاع بالطاقة الكهرومائيّة التي تنتجها المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، وتحديداً معملي ابراهيم عبد العال (قرب بلدة مشغرة في البقاع الغربي) وبولس أرقش (قرب بلدة بسري في صيدا)، تملأ وسائل التواصل الاجتماعي. مطالب انتخابية - شعبوية لا يمكن «تقريشها» عملياً. كل حزب يُحاول إدخال القرى المحسوبة عليه طائفياً ضمن القرى والبلدات التي تتغذّى من الليطاني (عددها حالياً نحو 200): التيار الوطني الحر يريد ضم 8 قرى في جزين، ما استفزّ الوزير السابق وئام وهاب الذي طلب في المقابل إضافة بعض قرى الشوف وإقليم الخروب (تحديداً شحيم) اإيها، قبل أن ينضمّ نائب الاشتراكي عن الإقليم بلال عبدالله إلى البازار. علماً أن حزب الله وحركة أمل طالبا سابقاً بربط بعض القرى الشيعيّة في إقليم التفاح وإقليم الخروب بمعمل أرقش.الأمر نفسه ينسحب على القرى البقاعيّة. قبل الانتخابات، خاض نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي «حرب» ضم جب جنين إلى البلدات المستفيدة من كهرباء الليطاني. فيما يغرّد النائب حسن مراد، بين حين وآخر، مطالباً بحق القرى السنيّة بالتغذية الكهربائيّة.
طروحات شعبويّة غير قابلة للتنفيذ، لكنّ أهواءها السياسية قد تأسر أحياناً مؤسسة كهرباء لبنان. فرغم إدراك المدير العام للمؤسسة كمال حايك أن مثل هذا الربط سيؤدي إلى أعطال تستلزم تكاليف باهظة، إلا أنّ كلاً من الأعضاء الجدد في مجلس الإدارة يحاول شدّ اللحاف إلى الطرف الذي ينتمي إليه. علماً أن غالبية خطوط الربط موزّعة طائفياً. ففي محطة بولس أرقش، مثلاً، 3 خطوط: الخط الرقم 1 للمسيحيين، والخط الرقم 2 مشترك للسنة والمسيحيين، والخط الرقم 3 للشيعة!

تحذيرات «الليطاني»
في المقابل، لمصلحة الليطاني رأي آخر. أكثر من كتابٍ رفعتها إلى المعنيين، آخرها في 27 تشرين الأول الفائت إلى وزير الطاقة والمياه وليد فياض حذّرت فيه «كهرباء لبنان» من ربط أي بلدة أو قرية أو حي أو أي وضع حمولة إضافيّة على محطّات التوتر التابعة للمؤسسة والمربوطة بمعامل توليد الطاقة الكهرومائيّة التابعة للمصلحة، ونبّهت إلى أن ربط البلدات بمحطّة عبد العال «بدأ يأخذ منحىً انتخابياً – سياسياً حيث يتم إطلاق الوعود التي يستحيل ترجمتها فنياً في ظل محدودية الإنتاج وضعف قدرة المحوّلات». وفي كتاب آخر أرسلته إلى «كهرباء لبنان»، حذّرت المصلحة من «التلاعب بالأمن الكهربائي للبقاع الغربي وجزين ومن تعريض سلامة منشآتهما والعاملين لديهما».
ثلاثة خطوط في محطة أرقش أحدها للمسيحيين، وثانٍ للسُّنة والمسيحيين وثالث للشيعة!


ما تخشاه مصلحة الليطاني هو زيادة الحمولة من دون العودة إليها، إذ إن مؤسسة كهرباء لبنان غير ملزمة بمراجعتها في هذا الشأن. فمنذ إنشاء معملي ابراهيم عبد العال وبولس أرقش، في ستينيات القرن الماضي، أُنشئت محطة توتر متوسط 15 ك. ف. في كل منهما لتغذية القرى المجاورة. وتنحصر مهمة المصلحة في تشغيل المحطتين وصيانتهما، فيما تتولى «كهرباء لبنان» إنشاء شبكات التوزيع في القرى والبلدات المُجاورة وإدارتها وصيانتها. ومُذَّاك، أنشأت المؤسسة خطوطاً وتفريعات من دون أي مخطط توجيهي، ما أثّر سلباً على مستوى الاستثمار والصيانة. وعليه، باتت حمولة خطوط التوتر المتوسط تهدّد سلامة المعملين. فعلى سبيل المثال، تبلغ قدرة الخط الرقم 2 (راشيا) 10 م. ف. أ.، ما يعني أن قدرته القصوى هي 362 أمبير، فيما اعتمدت الفرق الفنية المتخصّصة في «كهرباء لبنان» عيار 380 أمبير. ورغم تخطي الحمولة المسموح بها فنياً، رضخت «كهرباء لبنان» للمطالب السياسية بزيادة الحمولة على الخط الرقم 2 لتغذية بعض البلدات والأحياء البقاعيّة، ما يهدد بتعطيله وحرمان مناطق واسعة من التغذية بالتيار.

الحل (غير) موجود
من «يُحشر» سياسياً في القرى المجاورة للمحطتين التابعتين لمصلحة الليطاني، يُسارع إلى استغلال الملف شعبوياً بعيداً عن الشق التقني، علماً أن المدير العام لمصلحة الليطاني سامي علوية يؤكّد أن هناك حلولاً ذكرها في كتبه المُرسلة إلى وزير الطاقة و«كهرباء لبنان».
أول هذه الحلول تم الاتفاق عليه مع «كهرباء لبنان» بتأهيل محطة التوزيع في معمل أرقش على حساب المؤسسة باعتبارها محطّة توزيع. وبالفعل، أصدر مجلس إدارة المؤسسة، في أيار 2017، قراراً في هذا الشأن، وألحقه بمذكّرة تنفيذيّة... لكنّ شيئاً لم يُنفّذ. يؤكد علوية أن تنفيذ القرار يوسّع محطة أرقش الجديدة من 3 إلى 6 خلايا، ما يؤّمن التغذية اللازمة لمناطق أوسع تضم قسماً من شرق صيدا وآخر من إقليم الخروب، إضافة إلى تأمين الحماية اللازمة للشبكة العامّة وخفض نسب أعطالها، لأن الحمولة ستتوزّع على 6 خطوط بدلاً من 3.
قرار المؤسسة نصّ أيضاً على إنشاء محطّات توزيع توتر متوسط عائدة لها في البقاع الغربي وجزين لتأمين الطاقة الكهربائية المطلوبة وعدم الاعتماد على معملي عبد العال وأرقش، كونهما معملي إنتاج لا توزيع. وبعد كثير من الأعطال في المعملين واجتماعات عام 2019، فُتح باب المناقصات بحسب دفتر الشروط المتفق عليه من قبل الطرفين. لكنّ المناقصات لم تصل إلى غايتها المنشودة بسبب تحفّظ العارضين عن أشغال الهندسة المدنية التي يجب أن تُنفّذ لتأمين المساحة اللازمة للمحطة والمعدات الجديدة. وفي ما يخص معمل عبد العال، قضى الاتفاق باستبدال المحول الرقم 2 والمحوّل الخاص بخط سحمر، وهما بقدرة 10 م. ف. أ.، بمحوّلين بقدرة 20 م. ف. أ. لتغطية الحاجة وزيادة الطلب، إلا أن ذلك أيضاً لم يُنفّذ.
إلى ذلك، عرضت المصلحة زيادة عدد البلدات المربوطة بالشبكة مقابل خفض ساعات التعذية الكهربائية (بين ساعتين و3 ساعات) ما يتيح عدالة أكثر في التوزيع. وتؤكد المصلحة أن كلفة الحلول المطروحة غير عالية، إذ إن ربط 20 بلدة بمحطة أرقش لا يكلف أكثر من 500 ألف دولار، يمكن أن تُموّل من ثمانية ملايين ونصف مليون دولار متبقّية من هبة قدّمها الصندوق العربي للتنمية بعد حرب تموز، ومودَعة في مصرف لبنان. وتعرب مصادر مطّلعة على الملف عن خشيتها من أن يؤدي البازار السياسي الطائفي المفتوح وعدم الجدية في تأمين الحلول إلى إفشال المعامل الكهرومائية للوصول إلى ما يطالب به بعض السياسيين من خصخصة هذه المعامل المنتجة.



الكهرباء لـ 200 قرية وبلدة
تنتج المصلحة الوطنية لنهر الليطاني نحو 10% من الطاقة الكهربائيّة في لبنان. وتشمل التغذية نحو 200 بلدة في البقاع الغربي ومحيط جزين وصولاً إلى بعض قرى إقليم الخروب وإقليم التفاح. وتتغذّى مناطق البقاع المشمولة بين 18 و20 ساعة، بينما لا تتعدى ساعات التغذية في محيط جزين 18 ساعة وذلك لأسباب تقنيّة. كما تبيع المصلحة 750 ألف كيلو واط إلى مؤسسة كهرباء لبنان مقابل 60 ليرة لبنانية للكيلو واط الواحد. فيما لا تدفع المؤسسة إلى المصلحة أكثر من مليار إلى ملياري ليرة لبنانية من أصل نحو 150 ملياراً.