بيت لحم | يُعزى ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين خلال الاقتحامات والمواجهات الليلية في الضفة الغربية المحتلّة، إلى عدّة أسباب متّصلة بعضها ببعض، أبرزها تصاعد وتيرة المقاومة، والذي يُعدّ وثيق الصلة طردياً بارتفاع عدد عمليات الاقتحام الإسرائيلية، إذ إن «الشاباك» يعمل على فكّ خيوط أيّ عمل مقاوم، حتى لو كان فردياً أو محلّياً وغير منظّم، وهذا جزء من عمله الأمني. كما أن سياسة القتل المتعمّد بدلاً من الإصابة، بات من الواضح أن جيش العدو اعتمدها أخيراً في مسعًى لردع الشبّان، ومحاولة تقليص عدد المشتبكين.في هذا السياق، عاد مخيم الدهيشة في بيت لحم إلى الواجهة مجدّداً منذ أيام قليلة فقط، بعد أن كان الوضع هادئاً نسبياً فيه لأسابيع، وذلك عندما تعرّضت قوات خاصة من «المستعربين» لإطلاق نار وإلقاء عبوات محلّية الصنع، ما أدّى إلى إصابة اثنَين من أفرادها. وسبقت تلك الحادثةَ عمليّتا إطلاق نار تجاه حاجز النفق والمدخل الشمالي لبيت لحم، قبل أن يشنّ العدو فجر أمس اقتحاماً مفاجئاً للمخيم، حيث دارت مواجهات استشهد على إثرها الأسير المحرَّر أيمن محيسن من «الجبهة الشعبية». ويُعدّ «الدهيشة» أحد المعاقل التاريخية لـ«الشعبية»، ويبدو أن قراراً، محلّياً على الأقلّ، قد صدر بتصعيد المواجهة وانخراط مقاومين من الجبهة في العمل العسكري في منطقة بيت لحم. وممّا يدلّ على ما تَقدّم نشْر فيديوهات مصوّرة توثّق إطلاق النار مرّتَين تجاه أهداف إسرائيلية قبل أيام، وفي أحدها عرّف أحد الملثّمين المقاومين عن نفسه بالقول «كتائب أبو علي مصطفى». ونشرت منصّات محلّية موثوقة تابعة لـ«الشعبية» هذه الفيديوهات، فيما تبنّت «كتائب أبو علي مصطفى» الشهيد محيسن، واصفةً إيّاه بـ«الرفيق المقاتل في كتيبة الدهيشة»، وهو وصفٌ مستوحًى من المسمّيات الأخيرة لمقاتلي فصائل المقاومة في محافظات جنين ثمّ نابلس ثمّ مخيم نور شمس في طولكرم، ويدلّ على أن التجارب الناجحة لتشكيلات المقاومة تولّد تجارب جديدة لدى فصائل أخرى.
هجمة المستوطنين لا تزال مستعرة في أكثر من منطقة، وهو ما يعزّز فرضية استمرار الاشتباك


بالتوازي مع ذلك، دارت في بلدة يعبد قرب جنين مواجهات عنيفة مع جيش العدو، أثناء عملية هدم منزل عائلة الشهيد ضياء حمارشة، منفّذ عملية «بني براك» قبل أشهر. واستشهد خلال المواجهات بلال قبها، بعدما اشتبك مع جنود الاحتلال بسلاح تقليدي يدوي، عبارة عن «مسدّس مُصنّع محلّياً يطلق الرصاص بشكل فردي، أي رصاصة رصاصة». ويبدو الشهيد قبها من «الجيل الفلسطيني الجديد»، الذي يمقت المفاوضات و«التنسيق الأمني»، وكان شديد التأثّر بالمقاومين الشهداء مِمَّن نفّذوا عمليات فدائية، وهو ظهر حاملاً راية لحركة «حماس» في تشييع الشهيد منتصر زيدان، الذي ارتقى في قرية أم دار قرب بلدة يعبد خلال معركة «سيف القدس»، كما تبيّن لاحقاً أنه مقرّب من حركة «فتح» أيضاً، وفي النهاية شيّعته الجماهير ملفوفاً بعلمٍ عليه شعار «كتائب شهداء الأقصى»، الجناح العسكري لـ«فتح». ولا يُعدّ هذا التنقّل الحزبي غريباً، بل اعتنقه شهداء سابقون كالشهيد الفتى أمجد الفايد وغيره، لكن بوجه عام انتمى هؤلاء إلى فكرة المقاومة المسلّحة، وانحازوا إليها كخيار مقدّس لمواجهة العدو.
ارتفاع أعداد الشهداء خلال الأسبوع الأخير، يُنذر بتصاعد المواجهة مع العدو في الضفة، كما يشي بأن عودة الهدوء النسبي أصبحت بعيدة هناك، خصوصاً أن عدّة بيوت لمنفّذي عمليات ضدّ قوات الاحتلال يتهدّدها الهدم والتفجير في الأيام والأسابيع اللاحقة، مثل: منزلَي منفّذَي عملية المزيرعة «إلعاد» في قرية رمانة قرب جنين، ومنزلَي منفّذَي عملية «أريئيل» في قرية قراوة بني حسان قرب سلفيت. كما أن هجمة المستوطنين لا تزال مستعرة في أكثر من منطقة، وهو ما يعزّز فرضية استمرار الاشتباك، على الرغم من وجود مساعٍ سياسية من جانب إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، للتوصّل إلى تسوية مع السلطة.