للمرة الأولى منذ زمن بعيد، تبادر جهات رسمية في لبنان الى التواصل مع دولة اجنبية للاستفسار عن تعاون مع العدو الاسرائيلي في مجال التدريبات العسكرية التي تستهدف النيل من سيادة لبنان. وبينما كانت جبهة «السياديين» صامتة ومنشغلة في لملمة آثار الجلسة النيابية امس، كانت وزارة الخارجية تعلن عن استدعاء الوزير عبدالله بو حبيب أمس سفير قبرص في لبنان بانايوتيس كيرياكو مطالباً إياه بتوضيحات حول مشاركة بلاده في مناورة «مركبات النار» الاسرائيلية لتحسين جاهزية جيش العدو وكفاءته في المهمات العملياتية في تضاريس مشابهة للتضاريس اللبنانية.وكانت قوات الاحتلال اعلنت الاحد، انها نفذت مناورة اضافية ضمن مناورة «مركبات النار» في قبرص، واطلق عليها «ما وراء الافق». واعلن في تل ابيب عن زيارة قام بها رئيس أركان جيش الاحتلال أفيف كوخافي الى نيقوسيا حيث التقى نظيره القبرصي اللواء ديموقريطوس زرفاكيس. ورافق كوخافي الملحق العسكري الاسرائيلي في اليونان وقبرص المقدم يوسي بينتو، ورئيس الدائرة في العلاقات الخارجية لقبرص العقيد جيل دولوف. وقالت وسائل اعلام العدو ان الجانبين ناقشا «التحديات الأمنية المشتركة بين البلدين في منطقة الشرق الأوسط وفرص توسيع التعاون بين الجيشين».
ولاحقا، تفقّد وزير الحرب بني غانتس القوات الاسرائيلية المشاركة في المناورة. وقالت وسائل اعلام العدو ان الزيارة هدفت للقاء الضباط والجنود المشاركين في «مناورة في قبرص لمحاكاة دخول بري إلى عمق لبنان في الحرب المقبلة». وصرح الوزير الاسرائيلي: «زرت قبرص كجزء من مناورة للجيش، هذا تتويج لواحد من أكبر التدريبات التي قمنا بها على مر السنين، الجيش يستعد باستمرار لعمليات مختلفة، في مختلف الجبهات، وسيوجه ضربة قاسية لكل من يحاول تهديد المستوطنين».
وعلى اثر ورود معلومات مفصلة الى لبنان حول ما يجري في قبرص، بادر حزب الله الى التواصل مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، واطلعه على تفاصيل تتعلق بالتسهيلات التي قدمتها قبرص لجيش العدو الذي قام بمناورة هدفها الفعلي التحضير للعدوان على لبنان. وطلب الحزب من رئيس الحكومة ان تبادر الحكومة اللبنانية الى خطوات واضحة تجاه الدولة القبرصية. فعمد ميقاتي الى الاتصال بوزير الخارجية أثناء وجود الأخير في الولايات المتحدة، طالبا منها استدعاء السفير القبرصي في بيروت وطلب توضيحات حول ما يجري، خصوصاً أن قبرص تعدّ بمعايير العلاقات الدولية دولة صديقة وتقيم مع لبنان علاقات دبلوماسية وسياسية مستقرة، ومجرد سماحها لاسرائيل باستخدام أراضيها للتدرب على الهجوم على دولة صديقة، يُعدّ خرقاً لهذه العلاقات وموافقة ضمنية على قتل اللبنانيين واستباحة أرضهم. علماً أن هذا النوع من التدريب يجريه العدو الاسرائيلي في قبرص بشكل سنوي، لكنها المناورات هذه السنة كانت الأكبر من نوعها.
تعد قبرص واحدة من القواعد الامنية المتقدمة لاجهزة استخبارات العدو الناشطة ضد المقاومة في لبنان وضد سوريا


وبحسب معلومات «الأخبار»، فان السفير القبرصي كان عاماً في كلامه، وحرص على نفي ان تكون المناورة الاسرائيلية موجهة ضد لبنان، واضعا اياها في خانة تدريب الجيش القبرصي مؤكدا أن بلاده «تقف ضد الاعتداء على لبنان أو أي دولة أخرى»، وقال السفير القبرصي إن «هذه التدريبات تجري بشكل سنوي»، وأبدى استعداد بلاده لاجراء تدريبات عسكرية مع الجيش اللبناني ضمن اطار التعاون »في الانقاذ البحري؛. ووعد كيرياكو باصدار وزارة الدفاع القبرصية بياناً توضيحياً فور انتهاء المناورات اليوم. لكن مصادر في الخارجية أشارت إلى أنه «بناء على الاعتراض اللبناني الحادّ عمدت الخارجية القبرصية الى اصدار بيان أمس لتوضيح المسألة». وجاء في البيان أن «مناورة عسكرية واسعة تجري في أراضي قبرص باسم «AGAPENOR-2022” بمشاركة الوحدات البحرية والبرية والجوية التابعة للحرس الوطني القبرصي وقوات الدفاع الاسرائيلية». وأكّد أن التدريبات «هي جزء من برنامج التعاون الدفاعي المشترك بين قبرص واسرائيل لرفع مستوى جاهزية الحرس الوطني ومبني على سيناريوهات وهمية ولا يستهدف أي دولة في المنطقة». وشدّد على أن «قدرات الدفاع القبرصية لا تتعدى طبيعتها الدفاعية خصوصاً أننا نواجه تهديداً مستمراً من قوات الاحتلال التركية لأراضينا، ولا تشكل أي تهديد لشركائنا في المنطقة».
على ان النفي القبرصي الرسمي لا يعد نقطة تحول في حقيقة ان ما يجري في الجزيرة يتجاوز اطار المناورات العادية او «اعارة» جيش الاحتلال مناطق لاجراء تدريبات قتالية. بل يصل الى حدود التعاون الوثيق بين الجانبين في المجالات الامنية والاستخباراتية، سيما ان قبرص تعد واحدة من القواعد الامنية المتقدمة لاجهزة استخبارات العدو الناشطة ضد المقاومة في لبنان وضد سوريا ايضا، الى جانب استخدام الساحل القبرصي لعمليات بحرية تستهدف كل المياه الاقليمية في المنطقة. مع الاشارة ايضا الى ان قبرص تفتح اراضيها لاكبر قاعدة تنصت الكتروني بريطانية منذ سنوات طويلة، وهي القاعدة التي تساعد العدو في لبنان وسوريا وفلسطين واماكن اخرى في المنطقة.