منذ بداية الأزمة الحالية في العراق، تصاعدت الاعتراضات على السياسة الخارجية لباراك أوباما، لتأخذ مع الوقت منحى أكثر حدة. انتقد كثيرون تعثّر إدارته في الملف العراقي، كغيره من الملفات المتعلقة بأفغانستان وسوريا وليبيا. وبعدما كثر الكلام على البحث عن حلول بديلة على المستوى السياسي، خرج أوباما، قبل أيام، بإعلانه إرسال 300 مستشار عسكري أميركي إلى العراق، الأمر الذي أثار أيضاً أصواتاً معترضة وأخرى مؤيدة.
وفي سياق الإعلان ذاته، قال أوباما إن الولايات المتحدة مستعدة لتنفيذ «ضربات عملية عسكرية محدودة» في بلاد الرافدين «إذا تطلب الأمر»، لمواجهة الخطر المتنامي للمتطرفين. وأوضح أن بلاده عززت نشاطاتها الاستخبارية وعمليات الرصد في هذا البلد، لدراسة المخاطر التي تهدد العاصمة بغداد، كذلك فإنها ستنشئ مراكز عمليات مشتركة في بغداد وشمال العراق.
لكن قبل يومين فقط، أي غداة إعلانه السابق، أكد الرئيس الأميركي في مقابلة مع شبكة «سي ان ان»، أنه «ليست هناك قوة نار أميركية قادرة على إبقاء البلد موحداً، إذا لم يعمل قادته من أجل ذلك».
هذا التصريح الأخير، قد يظهر الإدارة الأميركية أنها سلّمت إرادتها لسياسة الأمر الواقع، ولكنه يفتح الباب أيضاً للتساؤل عن مدى نفع الخطوات التي أعلن عنها أوباما، سابقاً، في تغيير موازين القوى على الأرض العراقية. فالولايات المتحدة، كانت قد أرسلت آلاف المختصين الأميركيين لتدريب نحو مليون جندي عراقي، على مدى 10 سنوات، لينتهي الأمر بانسحاب الجيش أمام عناصر «داعش» في الموصل وتكريت والأنبار.
يرى بعض المراقبين، من أمثال كينيث بولاك من معهد «بروكينغ»، أن القرار الأخير للرئيس الأميركي شكل «خطوة صغيرة ولكن ذكية، أتت في ظروف استثنائية». كذلك يعتبرون أن هذه الخطوة يمكن أن تؤدي إلى نتائج إيجابية لم تظهر بعد. ولكن آخرين، على غرار إيمي دافيدسون في مجلة «نيو يوركر» وليزلي جيلب في موقع «ديلي بيست»، يؤكدون أن هذه الخطة لم تقدّم أي استراتيجية لإيقاف المدّ الجهادي المحفوف بالمخاطر، وخصوصاً أن دور المتخصصين الأميركيين الـ300، لن يتعدى تقديم المشورة، أي إخبار الجيش العراقي بما يعرفه.

تلويح أوباما
بتوجيه ضربات جوية في العراق لاقى ترحيباً

من جهة أخرى، تساءل البعض عما إذا كان الوجود الأميركي في العراق سيقتصر فقط على 300 مستشار ونحو 250 عنصراً لحماية السفارة العراقية في بغداد وبعض الأماكن الحساسة.
وفي هذا الإطار، استذكر العديد من المحللين، بينهم جون كاسيدي في مجلة «نيو يوركر»، أنه في أواخر خمسينيات القرن الماضي، أرسل الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور مجموعة استشارية أميركية إلى جنوب فييتنام، وكان من المفترض أن يقتصر عديدها على بضع مئات. ولكن في عام 1961 قام الرئيس جون كينيدي برفع العدد إلى أكثر من ألفين. وفي نهاية عام 1962 وصل العدد إلى نحو 9 آلاف.
ومع ذلك، لاقى تلويح الرئيس الأميركي باستخدام الضربات الجوية ضد عناصر «داعش»، ترحيباً من قبل كثيرين، وخصوصاً من قبل أعضاء بارزين في الحزب الجمهوري. فاعتبر السيناتور ليندسي غراهام، أن الإجراءات التي اتخذها أوباما تعتبر خطوات على الطريق الصحيح. وفي مقابلة مع مجلة «فورين بوليسي»، قال إنه يتمنى أن يستعمل أوباما القوة الجوية بالتوازي مع الحل الديبلوماسي»، مؤكداً في الوقت ذاته، أن «استعمال القوة الجوية سيحمينا من عدو شرير جداً يحقق انتصارات أكثر ويحصل على ملاذ أكثر أمناً».
ولكن ما لا يعرفه غراهام وغيره من الجمهوريين والديموقراطيين والمعوّلين على خطوات أوباما، هو أن ضرب «الجهاديين» لن يحصل بين ليلة وضحاها.
فقبل تصريح أوباما، كان رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي قد أعلن أن ثمة نقصاً في المعلومات الاستخبارية الكافية لدى الجيش الأميركي لكي يقوم بعمل في العراق. وأوضح، خلال جلسة استماع في الكونغرس، أن الطيارين سيواجهون صعوبة في معرفة من يهاجمون من الجو. وفي هذا السياق، إن حصول واشنطن على صورة واضحة ومفهومة سيتطلب أشهراً أو أكثر، ما يعني أن «داعش» سيستغل الوقت للسيطرة على مناطق أخرى.
إضافة إلى ذلك، لن تؤدي الضربات الجوية وحدها إلى السيطرة على منطقة بكاملها، لذا يجب أن تكون مصحوبة بالتقدم على الأرض. وهذا ما يقع على عاتق الجيش العراقي الذي يجب أن يكون جاهزاً للسيطرة على أي مكان تنسحب منه عناصر «داعش».
كذلك يرى عدد من المحللين من أمثال دنيال بيمان في مجلة «فورين بوليسي»، أنه إذا قررت الولايات المتحدة القيام بضربات محدودة، فإن «داعش» سيتمكن من تحصين نفسه في مكان آخر والاختباء بين المدنيين، وسيتمكن بسهولة من استعادة السيطرة على المكان نفسه، عند انتهاء الهجوم.
تفصيل آخر يعرقل تطبيق الولايات المتحدة لمخططها بضرب الإرهابيين، هو أنّ على الرئيس الأميركي أن يحصل على موافقة الكونغرس قبل البدء بضربات جوية ضد «داعش».
فسماح الكونغرس بضرب «القاعدة» لا يسري على «داعش»، وخصوصاً أن هذا الأخير لا يعتبر فرعاً من فروع التنظيم الدولي.
وفي هذا الإطار، يشير ريان غودمان في صحيفة «ذي غارديان» البريطانية، إلى أن الكونغرس الأميركي لم يعط الضوء الأخضر لحرب ثالثة في العراق، معتبراً أن «تبرير حرب جديدة على أساس وجود صلة كاذبة بين داعش والقاعدة»، سيؤدي إلى النتيجة نفسها التي أدت إليها حرب بوش على الإرهاب.
وفيما يمكن هذا النوع من الضربات الجوية أن يساعد الجيش العراقي على استعادة روحه المعنوية، إلا أنّ من الصعب أن ينجح في استهداف قادة «داعش» مثل أبو بكر البغدادي. فهؤلاء حذرون جداً وقادرون على إخفاء تحركاتهم، ولن يعرّضوا أنفسهم لأي هجوم جوي.
كذلك إن مقتل العديد من الشباب المشاركين في التنظيم، يمكن أن يفتح باب وصول الإرهاب إلى الولايات المتحدة في وقت أسرع. فـ«داعش» تنظيم قوي ومدرب وأصولي، مع سمعة لافتة في رد الضربة لأعدائه. وفي هذا الإطار، إذا استُهدف عناصره بالضربات الجوية الأميركية، فلن ينتظر طويلاً قبل إرسال انتحاريين لتفجير أنفسهم في أهداف أميركية، داخل الولايات المتحدة وخارجها.
من هنا، خرج العديد من المراقبين، بينهم علي غريب في مجلة «ذا غارديان»، بخلاصة مفادها أنه لن تكون هناك أي نتيجة ظاهرة للخطوات التي أفصح عنها أوباما.
وسيكون التدخل العسكري الأميركي في العراق مشابهاً لأي تدخل أميركي في أي بقعة من بقاع الأرض، أي بطريقة سرية، من خلال وكالات التجسس والقوات الخاصة. ولن يخرج هذا الإجراء إلى العلن إلا في حالة واحدة، هي عندما «تجري مساءلة أوباما في الموضوع ويضطر إلى الدفاع عن نفسه».
وأخيراً، وبدل الدخول في سياق نسخة مستحدثة من الحرب العراقية القديمة، يكون أوباما قد أسهم في توسيع العمليات السرية القائمة في ليبيا والصومال واليمن وباكستان إلى الأراضي العراقية، بحيث يصبح العراق ساحة لحرب أبدية أخرى.