بغداد | تتحوم الشكوك حول إمكانية عقد الجلسة الأولى للبرلمان العراقي الجديد، وتحقيق اختراق سياسي، في ظل منزلق أمني خطير يهدد كيان العملية السياسية، وتصاعد حدة الاحتقان الطائفي في البلاد. يأتي ذلك في وقت أعلنت فيه رئاسة الجمهورية أنها تدرس الدعوة إلى انعقاد أولى جلسات البرلمان الجديد في 30 من حزيران الحالي، وهو اليوم الأخير للفترة الدستورية، بعد مصادقة المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات، في السادس عشر من الشهر الجاري.

ورغم إجماع القوائم الفائزة على حضور الجلسة الأولى، بدت نبرة التشاؤم واضحة في أحاديث الساسة العراقيين، من إمكان الاتفاق على خارطة سياسية خلال عشرة أيام من دون الدخول في أزمة دستورية، في وقت دعت فيه كتلة دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي إلى التريث في الدعوة إلى الجلسة.
واستبعد مقرر البرلمان العراقي والقيادي في ائتلاف متحدون، محمد الخالدي، لـ«الأخبار»، حصول اختراق سياسي في ظل تعمق الأزمة الأمنية والاتهامات المتبادلة بين رؤساء القوائم. وقال «لايوجد أي اتفاق آني بين القوى السياسية لتحديد موعد عقد الجلسة الأولى، وأعتقد أن القوى السياسية ستتوصل خلال اجتماع قريب إلى موعد الجلسة الأولى».
أما النائب عن التحالف الوطني علي شبر، فقد أكد لـ«الأخبار» وجود إجماع داخل التحالف لعقد الجلسة خلال الفترة الدستورية، لكنه استبعد التوصل إلى اتفاق سياسي خلال أيام معدودة.
الموقف الكردي جاء منسجماً مع القوى الأخرى في هذا الخصوص، حيث أبدى النائب فرهاد رسول ترحيباً كردياً بإعلان موعد الجلسة الأولى، مبيناً أنه لا يوجد خلاف في هذا الشأن لدى غالبية الكتل السياسية.
ويبلغ عدد النواب في البرلمان الجديد 328 نائباً، توزعوا على عدة قوائم، أبرزها القانون بزعامة المالكي 95 مقعداً، والأحرار بزعامة السيد مقتدى الصدر 34 مقعداً، والمواطن بزعامة عمار الحكيم 31 مقعداً، ومتحدون بزعامة أسامة النجيفي 23 مقعداً، والوطنية بزعامة صالح المطلك 21 مقعداً، والديموقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البرزاني 25 مقعداً، والاتحاد الكردستاني بزعامة جلال طالباني 21 مقعداً، والتغيير برئاسة نوشيروان مصطفى 9 مقاعد.
وبحسب الدستور العراقي، فإن اختيار رئيس البرلمان ونائبيه ورئيس الجمهورية يجب أن يتم في الجلسة الأولى للبرلمان، على أن يكلّف رئيس الجمهورية المنتخب مرشح الكتلة البرلمانية الأكبر بتشكيل الحكومة خلال فترة أقصاها شهر واحد.
وأمام استحالة التوصل إلى اتفاق سياسي لتسمية مرشحي الرئاسات الثلاث، خلال الجلسة الأولى، وخشية دخول البلاد في فراغ دستوري، رجّح الخبير الدستوري عبود الحمامي، في حديث إلى «الأخبار»، أن يبقي رئيس البرلمان (الأكبر سناً) الجلسة الأولى مفتوحة إلى حين التوصل إلى اتفاق.
ويرى الحمامي أن الجلسة الأولى ستقتصر على اختيار رئيس مؤقت للبرلمان من أكبر الأعضاء سناً، وأداء اليمين الدستورية للنواب، من دون الدخول في أسماء المرشحين لشغل المناصب الثلاثة، متوقعاً أن تستغرق فترة تشكيل الحكومة أشهراً عدة، قد تصل إلى آب أو أيلول المقبلين.
وبات منصب رئيس الحكومة الجديدة محسوماً للتحالف الوطني الشيعي، أما الأكراد، فهم الأكثر حظاً لتسلم رئاسة الجمهورية، في ظل تشتت الموقف السنّي، والخوف من انهيار الجبهة التي يسعى إلى تشكيلها لإجهاض حلم الولاية الثالثة للمالكي.
إلا أن الخلافات الشيعية – الشيعية، والكردية – الكردية، قد تؤخر إعلان التشكيلة الحكومية؛ فالتحالف الوطني منقسم على نفسه، بين تأييد المالكي ورفضه، وهنالك صراع داخل البيت الكردي بشأن مرشح رئاسة الجمهورية. أما القوى السنية، فلم تعلن موقفها بشأن قبول أو رفض منصب رئاسة البرلمان، الذي كان من حصتها خلال الدورة التشريعية السابقة.
ودخل العامل الإقليمي والدولي بقوة على خط الأزمة العراقية بفرعيها الأمني والسياسي، حيث أطلق الرئيس الأميركي باراك أوباما إشارات برفض أميركي لبقاء المالكي لولاية ثالثة، وقال في خطاب حول العراق «إن العراقيين يتطلعون إلى حكومة جامعة ومقبولة من الجميع، وإن واشنطن لن تتدخل عسكرياً في العراق من دون حصول توافق سياسي بين القادة العراقيين».
وردّت طهران بقوة على أوباما، متهمةً إياه بالافتقار إلى الإرادة في محاربة الإرهاب وتغذية الطائفية في العراق.
تصريحات واشنطن وطهران قد لا تعكس توجهاتهما الحقيقية في العراق، فهناك حماسة من الجانبين تكشفها تصريحات سابقة لإيجاد آلية تعاون تفضي إلى حل الأزمة السياسية والأمنية في العراق وتشكيل حكومة جديدة.
ويرى محللون غربيون أن إيران شعرت بالصدمة من انهيار الجيش العراقي وعدم قدرة قياداته على مسك زمام الأمور، لذلك هي لا تريد أن تكون في موقف الضعيف في مفاوضاتها مع الولايات المتحدة بشأن العراق، وتسعى إلى البحث عن انتصارات معنوية أو التلويح بملفات إقليمية توازن من خلالها الكفة في أي مفاوضات مستقبلية.