منذ 26 عاماً، دأبت العادة أن يقدّم «مسرح المدينة» مجموعة من الأنشطة الثقافية والعروض الفنيّة الخاصة بشهر رمضان. كان المسرح قبلة مَن يبحث عن متنفّس بعيداً من هيصات لا تمتّ إلى جوهر الفن بصلة. كانت بيروت تزخر بعروض فنية ومسرحية حتى في أحلك الظروف التي عصفت بها. في الثمانينيات مثلاً، كانت مسارح شارع الحمرا تتنافس على عرض أعمالها، وكانت الصالات تمتلئ عن بكرة أبيها. لرمضان مكانته في هذه الفضاءات، بعدما ارتبط بصورة عضوية بعدد من الأنشطة التي تتماهى مع روحية هذا الشهر. هذا الموعد السنوي لا يغيب عنه «مسرح المدينة» كما لم يغب عن بقية المناسبات التي يحتفي بها اللبنانيون بشكل عام. على هذه الخشبة، تعرّف كثيرون إلى شيوخ الطرب، وانخطفوا إلى عوالم الموشّحات والقدود الحلبية، وسلطنوا على صوت عبد الكريم الشعار. كما سهروا مع ريما خشيش، وسمية بعلبكي، ومعين شريف وغيرهم، وشغفوا بالقراءات الشعرية مع جاهدة وهبة إلى جانب غنائها، وتابعوا مسرحيات للدمى، وتمايلوا مع الدراويش ومناجاتهم الصوفية، وغيرها من الأعمال المسرحية والفنية...
هذا العام، «مسرح المدينة» متمسّك بطقوسه وعاداته. رغم كلّ ما يحصل في لبنان من قمع لفكرة العيش على بساطتها، وارتفاع أسعار كلّ السلع الأساسية بشكل يجعل ارتياد المسرح أشبه بالكماليات، ومع كل ما يحيط ببيروت من تشاؤم وانسداد لسبل العيش والأمل، أعلن «مسرح المدينة» مع مناضلته عن سلسلة أنشطة، في رسالة واضحة تؤكد على أهمية المسرح والفنون في هذا الزمن الصعب تحديداً. كأنّنا به يقول لنا: «محكومون بالأمل». سيدة المسرح نضال الأشقر تسعى جاهدة لتبقى أنوار المسرح متلألئة، حتى مع ارتفاع أسعار المحروقات وشحّ الدعم لا بل انعدامه. تقول الأشقر: «سنبقى نقاوم ما حيينا، نصنع مساحة تشبهنا نحن الساعين إلى الفن والفرح والجمال من دون أن ننسى قضايانا الأساسية والمبدئية، مع مراعاة الأزمات الخانقة في لبنان على صعيد سعر التذاكر، إذ حددناها إمّا بـ 150 ألف ليرة أو بـ 200 ألف وهي متوافرة في مكتبة «أنطوان» أو في المسرح».
بدأت الاحتفالات الرمضانية في المسرح أول من أمس مع «كورال المشرق العربي» بقيادة المايسترو ابراهيم بنباشي. تحت عنوان «في أمسية أنس الليالي الرمضانية»، تضمّن البرنامج مجموعة من الأناشيد الدينية الإسلامية والتراثية والموشّحات والأناشيد الاجتماعية الوطنية، إلى جانب «هلّت ليالي حلوة وهنية» لفريد الأطرش، وقد أعاد إحسان المنذر توزيعها، وأغنية للشيخ إمام بعنوان «حبيبي اشتقنا إليك» (أعاد توزيعها المنذر أيضاً)، و«منيتي عزّ اصطباري» لسيد درويش، وقد أعاد توزيعها حازم بيطار، وموشّح «زارني المحبوب» لسيد درويش من توزيع بيطار، بالإضافة إلى أنشودة «موعدنا أرضك يا بلدنا» للموسيقار ملحم بركات وكوكتيل تراثي قديم وطني تحت عنوان «بالفرح بالعزّ». وفي 20 و21 نيسان (أبريل)، يحتضن المسرح عرض «لو بيرجع رمضان زمان» (إعداد وإخراج عوض عوض) الذي يسترجع أيام رمضان الجميلة بحضور المسحراتي مع مجموعة من الممثلين من بينهم سامي حمدان، طارق تميم، ماهر عيتاني، نيفين يقظان وغيرهم. العمل خليط بين التمثيل والأغاني التي تعيدنا بالذاكرة إلى ما كان يُقدّم خلال شهر رمضان. نوستالجيا إلى الأيام الماضية، نستشعرها في عروض أخرى يحتضنها «مسرح المدينة» في أُمسياته الرمضانية هذه السنة... كأنّنا بها تهرب من واقع ما انفكّ يزداد قتامةً يوماً بعد آخر.

زمن المسحراتي... «لو يرجع»
20 و21 ـــ س: 21:30



20 و21 من الشهر الحالي، يحتضن «مسرح المدينة» عند التاسعة والنصف مساءً «لو يرجع رمضان زمان» (إعداد وإخراج عوض عوض). يسترجع العرض أيام رمضان الجميلة في حضور المسحراتي مع مجموعة من الممثلين هم: سامي حمدان، طارق تميم، ماهر عيتاني، نيفين يقظان، فرح حاج عمر، إبراهيم قدّور، راشيل حجيري، كارلا صعب، آن ماري البستاني، طارق مجذوب، كريم مكوك، فادي سلمان، أدريانا ربيز، مدى حرب وبهاء الدين التونكتي. يتضمّن العمل مجموعة من الأغنيات ويتولى الإخراج الموسيقي جوزيف يشوعي، فيما يشارك عزفاً رجا فلّاح على العود، وسامي سعادة على الأورغ، ورودولف فارس على الناي. يشرح عوض لنا قائلاً إنّ العمل هو خليط بين التمثيل والأغاني، والأغاني مرتبطٌ بعضها ببعض من خلال مجموعة مشاهد تشكّل حلقات وصل مع الأغاني، التي يعيدنا معظمها بالذاكرة إلى ما كان يُقدّم خلال شهر رمضان، بالإضافة إلى بعض الأغاني التي تحمل نوستالجيا إلى أيام زمان.

جاز وصوفي وروك... و«جيلان»
22 نيسان ــــ س:21:00



فرقة «جيلان» خير تعبير عن اسمها، فهي تضمّ جيلين بالفعل، والجيلان يتألّفان من أب وابنه: الفنان خالد العبدالله (غناء وعود) وابنه آدم (غناء وبيانو وكيبورد) والفنان أسامة الخطيب (غناء وغيتار وبايس) وابنه إبراهيم (درامز). تكمن فكرة الفرقة في التواصل بين جيلين للإبحار بين أذواق مختلفة مع مراعاة جوهر الموسيقى الخالص بقوالب عصرية، ما يمنح مساحات إبداعية لكل فنان يقف على المسرح بغضّ النظر عن قرابته مع الفنان الآخر ومعرفته به. خالد العبدالله ابن «مسرح المدينة» وآدم ترعرع في كنف هذا المسرح، وهناك مسؤولية كبيرة بأن يقف إلى جانب والده لا بل أن يلحّن الأغاني التي تقدّمها الفرقة برؤية خاصّة به أو يعيد تجديد الأغاني بحلّة عصرية. وكذلك الحال بالنسبة إلى الفنان أسامة الخطيب المخضرم أيضاً في عالم الموسيقى والحفلات، وابنه إبراهيم يعطي أجمل ما لديه على آلة الدرامز. تقدّم هذه الفرقة رؤية فنية جديدة من خلال مجموعة من أغانيها الخاصّة التي تمزج بين الجاز والصوفية والروك. يقول خالد العبدالله لنا إنّ الفرقة ستقدّم أعمالاً جديدة خلال الحفلة: «سنقدّم عشر أغنيات، من بينها خمس خاصة بالفرقة وخمس أغنيات قمنا بتجديدها مثل «سالمة يا سلامة» (لسيد درويش) للراحلة داليدا بقالب جاز، وسنقدّم أغنيات صوفية مع إيقاعات جديدة و«أنا من أهوى» من ألحان آدم العبدالله، وأغنية «ألف قبلة» من كلماتي وألحان آدم، و«يا ليل تلالا» للشاعر أحمد فؤاد نجم وألحان زياد بطرس».

ذاكرة مدينة ومسرح
23 و 24 نيسان ـــــ س: 21:00



يوم 23 و 24 عند التاسعة مساء، يُعرض وثائقي «مدينتان» للمخرج عمر نعيم المقيم في الولايات المتحدة الأميركية. هو نجل المخرج فؤاد نعيم ونضال الأشقر، وهو شاهد على علاقة والديه ولا سيما والدته بمدينة بيروت أولاً وما تحمله من تناقضات وانكسارات ونجاحات ومواجهات وتظاهرات وانتفاضات، وكذلك الحال بالنسبة إلى العلاقة مع المسرح وتسميته بـ «مسرح المدينة»، وما تحمل هذه التسمية من معانٍ وأبعاد. فالمسرح هو عنصر التغيير وفاتحة الثورات. ومَن لها نصيب من اسمها، ناضلت حتى يبقى هذا المسرح ينبض بكلّ صنوف الثقافة، حتى بات صرحاً ثقافياً لا يختلف عليه اثنان في الوطن العربي ككل، وليس في لبنان فحسب. ففي الكثير من الأحيان، كان المسرح يحتضن رؤية نضال لما يجب أن تكون عليه المدينة من رقي وثقافة، في حين أنّ المدينة الحقيقية تشتعل بمشهد النفايات بشكل مَقيت أو تشهد انتظارات لتغيير لم يبدأ حقيقة بعد. الفيلم ذاكرة حية عن فنانين صنعوا أنفسهم بأنفسهم، ولم تولهم الدولة أي اهتمام. تقول الأشقر: «صوّر عمر الفيلم في «مسرح المدينة» في عام 2016، وآنذاك كنّا نقيم احتفالاً بـ «مسرح المدينة» في ذكرى مرور عقدين على تأسيسه بمشاركة 30 فرقة مسرحية. من هنا ولدت الفكرة لتصوير مسرح المدينة ومدينة بيروت والفروق بينهما، وقد صوّر مشاهد مؤلمة». تضيف الأشقر أنّ الجميع مدعوون لمشاهدة هذا الفيلم، ولا سيّما أنّ القسم العربي من «بي. بي. سي» سيعرضه قريباً. وتختم قائلة: «الفيلم هو ذاكرة بيروت وذاكرة المسرح تبلغ مدته ستين دقيقة».

«أغنية وظرف» وانتخابات
26 نيسان ـــ س: 21:00



في 26 نيسان (أبريل)، تقدّم الفنانة غادة غانم أمسية غنائية تحت عنوان «أغنية وظرف» بمعية عازف العود عفيف مرهج. تقول غانم لنا: «سيكون هناك صوت وعود على المسرح، وبيننا طاولة عليها مرطبان مليء بالمغلّفات، وفي كلّ مغلّف نجد موضوعاً له علاقة بما يمرّ به المواطن اللبناني في المرحلة الحالية على كلّ الأصعدة، وقد نقرأ قصائد أو نتحدّث عن الانتخابات والهدف هو أن نترك الجمهور يتفاعل مع كلّ المواضيع». اللافت أنّ غالبية الأغنيات التي ستقدّمها غانم هي من كلماتها: «هناك أغنية جميلة جداً عن فلسطين، وأغنية «ورق عريشة» (كلماتها وألحانها)، إلى جانب «الجميزة». الجمهور مدعوّ للاستمتاع والتفاعل مع «ظرف وغنية»».