موسكو | مع تسارع الاستعدادات الروسية لبدء هجوم واسع النطاق في الشمال والشرق، تحاول القوات الأوكرانية عرقلة هذه العملية مسبقاً، أو على الأقلّ تأخيرها والتشويش على مهامّ الوحدات المشاركة فيها. لكن كييف، وعلى رغم ما تتلقّاه من دعم غربي، لا يَظهر أنه سيكون باستطاعتها صدّ هذا الهجوم، بالنظر إلى تفوّق الخطّة الروسية الجديدة التي يجري حالياً وضع اللمسات الأخيرة عليها. وفي انتظار ساعة الصفر، يطلّ فلاديمير بوتين غداً من مقاطعة أمور، حيث يُتوقّع أن يدلي بتفاصيل في شأن مسار العملية العسكرية ومآلاتها المنشودة، بالنسبة إلى بلاده
في وقت تُواصل فيه روسيا استعداداتها لبدء هجمات واسعة النطاق ومكثّفة في محاور القتال الشمالية والشرقية، تتهيّأ القوات المسلّحة الأوكرانية لمواجهة التكتيكات الروسية المستجدّة هناك، لكن ما الذي تملكه هذه القوات بالفعل في مواجهة من هذا النوع؟ بالانطلاق من المناطق الروسية الحدودية المحاذية لشمال أوكرانيا، يرى الخبراء العسكريون أن مستوى «الخطر الإرهابي» القائم في تلك المناطق، والذي كان حدّدته السلطات الأمنية الروسية بـ«اللون الأصفر»، لا يزال على حاله، موضحين أنّ القوات الأوكرانية المتمركزة هناك بإمكانها القيام بهجمات موضعية محدودة، لكنها لن تستطيع استهداف العمق الروسي بفعالية. والظاهر أن الأوكرانيين يستهدفون، من وراء هذه المناوشات، إشغال العدد الأكبر من التشكيلات الروسية، بهدف منعها من المشاركة في المعركة الكبرى القادمة من أجل الدونباس.
وبالانتقال إلى منطقة الدونباس، وتحديداً مدينة إيزيوم، تستمرّ القوات الروسية والشعبية في مهاجمة الدفاعات الأوكرانية باستخدام المدفعية الثقيلة وسلاح الجو، وهو ما لا تملك القوات الأوكرانية وسائل ردع مناسبة بمواجهته. وبحسب الخبراء العسكريين، فإنّ تلك الهجمات الروسية لا تعني البدء بالعملية الكبرى، بل هي ذات طابع تمهيدي، تستهدف إضعاف التحصينات الأوكرانية الممتدّة بشكل خطوط دفاعية متتالية. وبالنظر إلى أن المواجهات عند هذه المحاور تجري حالياً في مناطق السهوب المفتوحة، التي تفتقد إلى تضاريس الحماية الجغرافية الطبيعية، فلا تملك كييف ما يمكن أن يمنع أو يعيق التحرّكات الروسية. ولذا، تعمل القوات الأوكرانية حالياً على تركيز دفاعاتها في محيط الأماكن السكنية، فيما يبدو أن قدرتها على نقل التشكيلات والتحرّك تتضاءل يوماً بعد يوم، لتنحصر جهودها اللوجستية في تأمين الدعم داخل خطوط انتشار الوحدات المسلّحة (أي إمكانية التنقّل بين الجبهات، على محاور الدونباس والشمال والجنوب). وفي هذا الإطار، لا تزال القوات الأوكرانية تستطيع التحرّك بسهولة من كييف إلى الدونباس أو من الدونباس إلى الجنوب أو من الجنوب إلى كييف، لكن ذلك لن يستمرّ في حال باشرت القوات الروسية عمليات الإنزال وتقطيع الأوصال.
يرى الخبراء الروس أن مينسك تستطيع أن تكون طرفاً ضامناً في أيّ اتفاق مستقبلي


ويرى المحلّلون العسكريون أنّ التكتيك الذي يمكن أن تتّبعه القوات الروسية في هذه المرحلة، يتمثّل في استهداف خطوط سكك الحديد، والطرقات وخطوط الربط ما بين المدن الواقعة ضمن نطاق استهدافها، والبالغ عددها حوالى7 أو 8 خطوط رئيسة، لا تزال تحت سيطرة السلطات الأوكرانية. ومن شأن قطع هذه الخطوط أن يحرم القوات الأوكرانية من إمكانية التزوّد السهل بالوقود ومعدّات الصيانة والدعم الميكانيكي واللوجستي وتعويض النقص في سلاح المدرعات، في حين سيكون كفيلاً، في المقابل، بمنح القوات الروسية القدرة على المبادرة، خصوصاً في مهمّاتها القادمة ضمن اتّجاهات المواجهة الجنوبية، حيث ستستطيع، على سبيل المثال، نقل الآليات والمعدّات وتشكيلات القوات من محيط غوليابولي إلى خيرسون، خلال عدّة أيام فقط. أمّا القوات الأوكرانية فستحتاج، إذا ما حُرمت ميزة استخدام الطرقات وخطوط سكك الحديد العابرة لنهر الدنيبر، إلى عدّة أسابيع لإجراء عمليات نقل وتبديل وتأمين للدعم اللوجستي.
في ضواحي مدينة خيرسون، يبدو الوضع أفضل بالنسبة إلى القوات الروسية، بعدما نفّذت الأخيرة عمليات نوعية خاصة للقضاء على ما تُسمّيها «خلايا الحرب الإرهابية الأوكرانية»، فيما بدأت ترتفع الأعلام الروسية في المنطقة كمؤشّر إلى تحسّن الوضع الأمني وفي ضواحي خاركوف، استطاعت القوات الروسية السيطرة على قرية توبولسكي من دون مواجهات، علماً أن مهمّتها في هذا المحور تكاد تنحصر في بسط السيطرة على التجمّعات السكنية، وضمان انتقال وحداتها باتجاه الجنوب.
سياسياً، يزور الرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، اليوم، روسيا، حيث يلتقي نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، في قاعدة إطلاق الصواريخ الفضائية «كوسمودروم فوستوتشني»، في مقاطعة أمور شرقي البلاد، والتي كان مجلس الدوما الروسي صادق على قرار يسمح بمشاركة أخصائيّين من بيلاروس في أعمال إنشائها. وبحسب المعلومات، فسيدلي بوتين، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع لوكاشينكو، بتفاصيل حول المتغيّرات التي طرأت على خطّة العملية العسكرية في أوكرانيا، مبرّراً سحب قوات بلاده من محيط كلّ من كييف وتشيرتيغوف وسومي. كما سيعطي تقييماً لمسار المفاوضات بعد تنصّل كييف من تفاهمات إسطنبول، متطرّقاً إلى الدور الذي لا يزال بإمكان بيلاروس أن تلعبه في هذا المسار. ويرى الخبراء الروس أن مينسك تستطيع أن تكون طرفاً ضامناً في أيّ اتفاق مستقبلي، مشدّدين على ضرورة مشاركة رئيسها في توقيع الوثيقة النهائية المتوقّعة للسلام.