تحاول الجماعة الإسلامية أن تستعيد شتات نفسها. التخبّط الذي عاشته في السنوات الماضية كان كبيراً. طوابق عدّة حلّت مكان الكلمة الواحدة لدى «إخوان لبنان»، فباتوا أجنحة كل منها محسوب على فريق داخلي أو خارجي. اليوم، يبدو المشهد وقد تغيّر نوعاً ما. تمكّن الأمين العام عزام الأيوبي من «ضبّ» الجماعة في قالبٍ واحد بعدما التزم معارضوه توحيد الصفوف، أقلّه إعلامياً. والسبب، يقول بعض القياديين، أن الجميع شعروا بأن الانقسامات تكاد تطيح بالجماعة. كما لعبت شخصيّة الأيوبي دوراً في فكّ الألغام الداخلية، خصوصاً أنّه أول أمين عام يأتي من خارج الصف الأول ما يُترجم «مونة» أكبر على أقرانه.وإذا كان البيت الداخلي قد أُعيد ترتيبه، إلا أن الاختلاف في وجهات النظر لا يزال موجوداً، ولو تحت المياه الراكدة. العلاقة مع حزب الله أحد الأمور الخلافية بين جناحٍ مؤيد لفتح «علاقات الحد الأدنى» كمجموعة الأيوبي، وجناح معارض كرئيس المكتب السياسي عماد الحوت ومجموعته. في المحصلة، حسم الأيوبي المسألة لصالحه، علماً أن النقاش الداخلي رسا على إبقاء اللقاءات مع «الحزب» مستمرة من دون الوصول إلى تحالفٍ حقيقي بينهما، باعتبار أن لا ساحات مشتركة إلا في فلسطين، فيما لا تزال التباينات قائمة في ما خص حرب اليمن ومشاركة الحزب في حرب سوريا والتصعيد ضد السعودية. ولكن، أقلّه، تمكّن الأيوبي من ضبط الجانب الإعلامي، إذ لم يُسجّل في العامين الماضيين هجوم لأي قيادي في الجماعة على حزب الله.
وإلى العلاقة مع «الحزب»، تُخاض على المستوى القيادي نقاشات أخرى تتعلّق بملفات لبنانية داخلية إلى جانب العلاقات الإقليمية كالانفتاح على السعودية. صحيح أن قياديي «الجماعة» ملتزمون الإبقاء على سياسة الحوار ووضع الخلافات في «ثلاجة» فك الاشتباك، لكن لا رأي موحداً لهم. وهذا ما بدا واضحاً في قضية التحالف الانتخابي مع الرئيس فؤاد السنيورة. كثيرون يحمّلون عماد الحوت مسؤولية حرق مراكب «إخوان لبنان» مع رئيس الحكومة السابق الذي طلب أن تترشّح «الجماعة» على اللائحة التي يدعمها في بيروت الثانية. بعد أكثر من لقاء، وعد الحوت السنيورة بدخول اللائحة وبإقناع رئيس نادي الأنصار نبيل بدر بالانضمام إليهما. انتظر «دولة الرئيس» مدة طويلة، واعداً الحوت بترك ثلاثة مقاعد لتحالفه مع بدر. لكن مفاجأته كانت كبيرة، تماماً كغضبه، عندما اكتشف أن الجماعة «باعته» وتحالفت مع بدر.
البعض في عائشة بكار لام النائب السابق. عزا الحوت الأمر إلى أن السنيورة رفض تدخل «الجماعة» في أسماء المرشحين الآخرين من غير المحسوبين عليها، وحاول إقناع المكتب السياسي بأن التحالف مع بدر يعني أن يكون هو أوّل الرابحين لقدرته على الحصول على أصوات تفضيلية (نحو 4000) أكثر من بدر في حال لم يأتِ إيعاز غير مباشر من تيار المستقبل بالتصويت للأخير، فيما لائحة السنيورة مُهددة بعدم الحصول على حاصلٍ واحدٍ. هكذا، اقتنع البعض بوجهة نظر الحوت، قبل أن تبرز أزمة أخرى مع تعميم السنيورة على المحسوبين عليه عدم التحالف مع «الجماعة» في أي دائرةٍ. هذا ما حصل في طرابلس بعدما شكّل مصطفى علوش لائحته من دون «الجماعة». وفي بيروت الثانية، رشّح السنيورة عبد الرحمن المبشر القريب من جو الجماعة (نجل رئيسة جمعية إصلاح ذات البين المحامية مهى فتحة مبشر القريبة من الجو نفسه)، مراهناً على أن مبشّر سيغرف من صحن الحوت و«يضربه» انتخابياً.

خريطة تحالفات «الجماعة»
وإلى الأزمة مع السنيورة، تبدو تداعيات التحالف مع نبيل بدر على الجماعة كثيرة.
ترشيح وسام أبو فخر عن المقعد الدرزي في بيروت، في وجه فيصل الصايغ مرشح وليد جنبلاط على لائحة السنيورة، وضعت المختارة فيتو على عمّار الشمعة مرشّح الجماعة في الشوف، رغم ثقلها الشعبي في عدد من قرى إقليم الخروب وأهمها برجا. وعليه، من المرجّح أن تتحالف مع المرشح مارك ضو وحزب الكتائب اللبنانية وبعض مكوّنات المجتمع المدني. وهذا ما يسبب إحراجاً لها بعدما لمست اعتراضات من بعض جمهورها على هذا التحالف سياسياً من جهة، «وبسبب مواقف المجتمع المدني من العلمانية والزواج المدني من جهة أخرى»، رغم أن هناك من ينظّر بأن هذا التحالف طبيعي باعتبار الجماعة جزءاً من حراك 17 تشرين وكانت محرّكاً في عدد من الساحات كصيدا وبرجا وطرابلس.
في صيدا، معظم القوى التي تعمل على تشكيل لوائح رفضت طرح الجماعة بتجيير أصواتها لمن يعطيها وعداً بدعم مرشحها لرئاسة بلدية صيدا. بحسب المعلومات، لا يزال «العرض» قائماً ويجري التفاوض بشأنه مع المرشّح يوسف النقيب الذي لم يحسم خياره بعد. أما خيار تشكيل لائحة منفردة فليس في الحسبان، إذ تخشى الجماعة رد فعل الشارع السني في حال اختارت مرشحاً مسيحياً مقرباً من القوات أو التيار الوطني الحر، وخوفها الأكبر من النقيب الذي يملك حيثية شعبية ويقدم خدمات مذ كان في «سعودي أوجيه»، ولم يكن ليترشّح لولا «قبة باط» حريرية. يعني ذلك أن عدم الاتفاق مع النقيب لن يترك أمامها إلا خيار سحب مرشحها بسام حمود و«بيع» أصواتها في صيدا مقابل تحصيلها في مكانٍ آخر.
السنيورة غاضبٌ من الجماعة بعدما نكث الحوت بوعده


في البقاع الغربي، تتلخّص معركة «إخوان لبنان» في رفع حاصل لائحة تحالف وائل أبو فاعور - محمد القرعاوي التي تضم مرشح الجماعة علي أبو ياسين. إذ إنه يصعب أن تتمكّن الجماعة من انتزاع أصوات المستقبليين من القرعاوي الأقرب منها إلى جمهور الحريري، أو أن تنتزع من حسن مراد مقعده. وهذا أيضاً ما سيحصل في عكار (المرشح محمد هوشر) والضنية (المرشح محمود السيد)، إذ لن يكون بمقدورها المواجهة حتى النفس الأخير أمام اللوائح الأخرى في ظل قوة تجييرية غير كافية.
أما في طرابلس، فيخوض الأيوبي معركته الخاصة. هو من جهة يريد تثبيت قدميه في الساحة السياسية قبيل انتهاء عهده، وتأكيد أن خطته الإنقاذية داخل الجماعة في العامين الماضيين أتت بنتيجة بعد فشلها في إيصال أي نائب إلى البرلمان عام 2018. يعرف الأيوبي أن البعض يحاول عرقلته بالترويج بأنه ابن الكورة وليس ابن طرابلس كي يترشّح عنها، إلا أن «الجماعة» تعتبر أن اسم أمينها العام مقبول في عاصمة الشمال، إضافة إلى حيثيتها الشعبية التي تتخطى الـ5000 صوت. وعليه، تسعى إلى تشكيل لائحتها الخاصة بالتحالف مع مستقلين، بعد فشل المفاوضات مع الرئيس نجيب ميقاتي الذي أصر على مقايضة الأيوبي بسحب محمود السيّد من الضنية مقابل ترشيح براء هرموش نجل القيادي في الجماعة أسعد هرموش، إلا أن الجماعة أصرت على السيّد باعتبار أن هرموش ليس من حصتها فعلياً، فـ«طار التحالف».
هي إذاً طفرة ترشيحات تشبه إلى حد بعيد طفرة ترشيحات الجماعة عام 2018، من دون نتيجة. اليوم، الأمر مختلف بحسابات الجماعة. فهي من جهة لن ترتكب الأخطاء نفسها التي ارتكبتها في 2018، ومن جهة أخرى سيمنحها غياب سعد الحريري ثقة أكبر لخوض هذا التحدي. ومع يقينها بأنها لن تتمكّن من الغرف من تركة رئيس تيار المستقبل، «إذ إن وزن الحريري أكبر من الجماعة»، ولكنها في الوقت عينه ستكون قادرة على التحرك بأريحية أكبر ما يعطيها حظوظاً أكبر.