بغداد | «استنشقت دخان البارود على بعد 170 كلم، واستعدت ذكريات سنوات العنف الطائفي، في وقت دخل فيه الأهالي في هوس «الهروب قبل وقوع الكارثة»، باختصار، هذا هو المشهد في بغداد. شوارع عاصمة الرشيد بدت خالية أمس، وأغلقت الأسواق أبوابها قبل الساعة الثانية بعد الظهر، كأنها نذير حرب جديدة، في وقت تواصل فيه الميليشيات استعراضاتها وسط الشوارع، في صورة أعادت إلى الأذهان أقسى أعوام العنف الطائفي (2006 و2007).
لم يكن أي بغدادي يتصور أن تعود صور الشوارع في تلك السنوات إلى الذاكرة، على الرغم من تردي الأوضاع الخدمية واستمرار الأزمات السياسية. فجلّ من هاجر من المدينة في تلك السنوات، هزه الشوق إليها وعاد بعدما أيقن أنها تجاوزت مرحلة الخطر.
نقاط التفتيش الأمنية من جانبها شددت إجراءات التدقيق في السيارات، بينما تربك أنباء الاشتباكات في بعض مناطق حزام بغداد رجال الأمن، وينعكس توترهم على الشارع على نحو كبير.
توتر الشارع ازداد باستمرار الميليشيات في الاستعراض في العديد من مناطق العاصمة، على خلفية أحداث الموصل التي تبعد عن بغداد نحو 170 كم، على الرغم من دعوة مرجعية النجف إلى منع المظاهر المسلحة في شوارع العاصمة.

توتر الشارع ازداد
مع استمرار استعراض
الميليشيات
هذه المرة عرف الكثير من الأهالي ممن فقدوا أحبتهم في تلك السنوات طريق الخلاص، وأقلهم حالاً قصد إقليم كردستان لحين استقرار الأوضاع الأمنية، بينما نفذ من لديه حاضنة ببلدان الجوار والمنطقة سريعاً. لكن البعض الآخر ما زال يهزأ بالمغادرين، مصرًَا على ممارسة حياته على نحو طبيعي، على الرغم من الارتباك الواضح في الشارع.
مطار بغداد يكتظ بالمسافرين، ورحلات العودة لا تكفي لملء باص المطار، فيما ضاعفت الخطوط الجوية العراقية من رحلاتها إلى مدينتي أربيل والسليمانية بواقع 14 رحلة في اليوم الواحد، بعدما توقفت بعض رحلاتها الخارجية.
وتقول وسن عباس، وهي موظفة في مكتب الخطوط الجوية العراقية، إن «أقرب حجوزات لكردستان لدينا بعد 12 يوماً»، مشيرةً إلى ارتفاع سعر التذكرة بنسبة 50%، الأمر الذي يؤشر إلى هلع غير مسبوق لدى البغداديين.
قبل عام كان أهالي العاصمة يستعدون لشهر رمضان، ويملأون الأسواق للتبضع، استعداداً لمائدة عراقية عُرفت بتنوعها وثرائها، لكن هذه المرة اقتصرت كل منطقة على سوقها الداخلي، وهجرت الأسواق الرئيسة كالشورجة وجميلة.
التجار كعادتهم، يستغلون اقتراب شهر رمضان، وكل أزمة تمر بالبلد، فبدأ الكثيرون منهم احتكار مواد غذائية واستهلاكية، مستفيدين من إغلاق المنافذ الشمالية والغربية، وبطء الإجراءات في المنافذ الجنوبية. ويستعد تجار المواد الغذائية لضربتهم على حساب أهالي العاصمة، بعدما فقد الكثير من التجار منافذهم، فيما ارتفعت أسعار الكثير من المواد، بعضها على نحو طفيف، وبعضها وصل إلى الضعف.
الحكومة العراقية هذه المرة استشعرت خطورة الموقف، فقامت الأمانة العامة لمجلس الوزراء باتخاذ إجراءات عاجلة لتسهيل إجراءات دخول المواد الغذائية والاستهلاكية، عبر منفذ أم قصر جنوب البصرة، لإشباع السوق ومنع احتكار بعض التجار للمواد الغذائية.
وبعد سلسلة اجتماعات، قررت الحكومة تفعيل شركات الفحص الدولية، التي تتولى فحص المواد المستوردة للعراق في منافذ خارجية، وإعفاء اللجان الزراعية والصحية في منفذ أم قصر، لمنع تأخر إدخال المواد. تاجر المواد الغذائية المعروف في سوق الشورجة بـ«حسين شتلة»، قال لـ«الأخبار» إن الأسعار قبل أيام من شهر رمضان ربما تصل إلى ضعفي أسعارها إذا استمر الاحتكار على ما هو عليه الآن، إذ إن ثلاثة من كبار التجار احتكروا مواد غذائية مهمة في مخازنهم، للاستفادة من الأزمة الأمنية الحالية. وأضاف أن «السوق هذه المرة لا يبدو مشجعاً كثيراً، نظراً إلى سفر نسبة غير قليلة من البغداديين، وبدء الحكومة بتوفير المواد الأساسية في السوق».