ما الذي يحصل على جبهة السياسة النقدية والمصرفية؟ ثمّة رواية تشير إلى أن إضراب المصارف تزامن مع سلوك اضطرابي لصانعي السياسة النقدية، وخصوصاً بعد توقيف رجا سلامة شقيق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وبعد مؤشرات أخرى عن قرب سقوط «ورقة» الحاكم. ويشير مطلعون إلى الارتفاع غير المبرّر في سعر الصرف السوقي بأكثر من 10% في اليوم الأول من الإضراب، للدلالة على المواجهة المستعرة بين آل سلامة والقضاء، فضلاً عن أن ارتفاع السعر إلى 24200 ليرة يأتي بعد فشل رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي في هجومه على القضاء، أو حتى في كبح جماحه نحو الادعاء على الحاكم و«قصّه» من مصرف لبنان، أو حتى فشله في الدفاع عن نفوذ المصارف. فالجلسة الحكومية الأخيرة خصّصها ميقاتي للدفاع عن المصارف «بدليل أننا دُعينا إلى الجلسة يوم السبت، ولم نجتمع سابقاً دفاعاً عن المودعين»، بحسب ما قال وزير العمل مصطفى بيرم لميقاتي. تبريرات رئيس الحكومة كانت جاهزة، إذ إنه شدّد على احترام القضاء، موضحاً أنه تلقى مراسلة أوروبية تشير إلى مخاطر الحجز على أملاك المصارف في لبنان والخارج. عندها ردّ بيرم بالإشارة إلى أن المصارف متعنتة ولا تحترم حقوق الناس، بل تحدّد سقوفاً لسحب الرواتب وتقسيطها، وأشار إلى أنه يحضّر ملفاً يكون له فيه صفة الادعاء الشخصي على المصارف. عندها طلب ميقاتي من وزير المال يوسف خليل أن يتحرّك فوراً لإبلاغ مصرف لبنان عدم وجود سقوف لسحب رواتب الموظفين من المصارف...ما تلا هذا النقاش هو الآتي: المصارف أصدرت بياناً بأنها ستنفذ إضراباً يومَي الاثنين والثلاثاء، وأمس ذكّرت بأنها مستمرّة في الإضراب لليوم الثاني. وبالتوازي مع ذلك، بدأت السيولة تفقد من آلات الصرافة، رغم أن المصارف لم تعطّل موظفيها بشكل كامل، بل أجبرت بعضهم على العمل في الكواليس باعتبار أن لديها أعمالاً غير منجزة. في الواقع، المصارف تتقصد تجفيف آلات الصرافة من السيولة لأنها تتناغم مع المواجهة التي يخوضها حاكم مصرف لبنان. وربما هي تترقّب نتائج هذه المواجهة لتحجز لنفسها تقدّماً مسبقاً في المواجهة المقبلة التي ستكون معها مباشرة. وهي مواجهة ستبدأ مع العرض الذي سيقدّمه لبنان لفريق صندوق النقد الدولي الأسبوع المقبل، ويتضمن الكثير من «الهيركات» المباشر والواضح والقليل من «الليلَرَة»، خلافاً للعرض الذي فرضه الحاكم سابقاً ويتضمن «ليلَرَة» بقيمة 700 تريليون ليرة وهيركات «مقنّع» على جبهات مختلفة من الودائع والسندات.
في هذه الأثناء، لم تُسطِّر المدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون بلاغ بحث وتحرّ بحق حاكم مصرف لبنان الذي لم يحضر جلسة استُدعي إليها في قصر عدل بعبدا، وإنما اكتفت بالادعاء عليه بجرم الإثراء غير المشروع وعلى صديقته آنا كوزاكوفا، وعلى شقيقه رجا بالتدخّل في جرم الإثراء غير المشروع، وأحالت رجا سلامة موقوفاً أمام قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان القاضي نقولا منصور. عون أبقت ملف سلامة لديها حتى آخر الدوام، قبل أن تحيله إلى منصور الذي أخذ الملف معه إلى منزله لدراسته تمهيداً لتحديد موعد جلسة لاستجواب الموقوف واتخاذ قراره بشأن إبقائه موقوفاً أو تركه، على أن يكون ذلك اليوم، ولا سيما أنّ القانون يلزمه تحديد موعد جلسة لاستجوابه خلال ٢٤ ساعة من تسلّمه الملف.
بالتزامن مع الادعاء على سلامة، تقدمت مجموعة «رواد العدالة» و«متّحدون» بشكوى ضدّ جميع أعضاء المجلس المركزي ومفوّضي الحكومة في مصرف لبنان بتهمة الموافقة على قرارات المجلس المركزي. وجرى الادعاء جزائياً على كل أعضاء المجلس المركزي ومفوَّضي الحكومة لديه الحاليين والسابقين منذ تولي حاكم مصرف لبنان مهامه، وذلك بجرائم الإهمال الوظيفي والخطأ الجسيم في إدارة مرفق عام وسوء استخدام السلطة وهدر المال العام وتبديده والنيل من مكانة الدولة المالية ومخالفة القوانين والأنظمة المالية والمصرفية والمنصوص عليها جميعاً في قانونَي العقوبات والنقد والتسليف. ورأت المجموعة أنهم «طالما يشاركون الحاكم في قراراته، فإنهم يتحمّلون المسؤولية. وبالتالي، إما أنهم مرتكبون ومشاركون أو مسهّلون وصامتون ليكون فعلهم هذا إما جريمة قصدية أو جريمة غير قصدية من دون أن إعفائهم».


أين رئيسة لجنة الرقابة؟
تزداد علامات الاستفهام في أروقة القضاء حول سبب تغييب رئيسة لجنة الرقابة على المصارف مايا دباغ من الاستدعاءات التي تجرى في ملف المصارف، علماً أنها شملت كلاً من حاكم مصرف لبنان وأعضاء المجلس المركزي ورؤساء مجلس إدارة عدد كبير من المصارف. رغم أن القانون رقم 28/67 بتاريخ 9/5/1967 ينص على إنشاء «لجنة مستقلة لدى مصرف لبنان غير خاضعة في ممارسة أعمالها لسلطة المصرف» (المادة 8)، وأناط بها ممارسة «صلاحيات الرقابة الممنوحة لحاكم مصرف لبنان ولمصرف لبنان بموجب قانون النقد والتسليف والصلاحيات المعطاة لها بموجب هذا القانون (القانون رقم 28/67)». كذلك أناط بها «مهمة التحقق من حسن تطبيق النظام المصرفي المنصوص عليه في الباب الثالث من قانون النقد والتسليف على المصارف إفرادياً وفق الأصول المحددة في المادتين 149 و150 من قانون النقد والتسليف». ونصت المادة 9 على وجوب أن «تقوم اللجنة بالتدقيق الدوري على جميع المصارف من دون التقيد، إذا رأت ذلك، بأحكام الفقرتين 1 و2 من المادة 149 من قانون النقد والتسليف». ويبدو واضحاً من خلال تلك المواد الدور الأساس للجنة. علماً أن دباغ كانت من بين الذين ادعت عليهم سابقاً القاضية غادة عون بتهمة حجب المعلومات.