تكاد العودة المُتوقّعة إلى الاتفاق النووي الإيراني، وما ستدرّه من مكاسب على إيران، تكون، بالنسبة إلى إسرائيل، في كفّة، ونيّة إدارة جو بايدن رفع «الحرس الثوري» من «قائمة الإرهاب» الأميركية في كفّة أخرى. هذا ما توحي به رسالة نفتالي بينيت - يائير لابيد إلى إدارة بايدن، والتي تُظهر مخاوف إسرائيل من تداعيات هكذا خطوة على المنطقة، إلى حدّ وصفها من قِبَل بعض المسؤولين السابقين بأنها «هزيمة مريعة». وعليه، تستنفر تل أبيب قدراتها لمحاولة ثني واشنطن عن خطوتها تلك، مستثمرةً في ذلك في الانقسام الأميركي إزاءها، ورفض الجمهوريين وبعض الديموقراطيين المُضيّ فيها
كشفت الرسالة المشتركة لرئيس وزراء العدو نفتالي بينت، ووزير خارجيته يائير لبيد، إلى الرئيس الأميركي جو بايدن، والتي يناشدانه فيها الامتناع عن رفع اسم «الحرس الثوري» الإيراني من «قائمة الإرهاب» الأميركية، عن التداعيات المحتملة لهذا التطوّر المُتوقّع على الساحة الإقليمية، فيما أكد امتناع وزير الأمن، بني غانتس، عن التوقيع على الرسالة وجود خلاف داخل حكومة العدو في اسلوب مخاطبة الادارة الاميركية ازاء اداءها مع إيران، فضلاً عن أن الخطوة نفسها أظهرت أن ثمّة إقراراً إسرائيلياً بأن الاتفاق النووي مع إيران بات شبه محسوم، وهو ما أشار إليه بينت نفسه في جلسة الحكومة الأخيرة بقوله إن «هناك إصراراً على التوقيع على الاتفاق بأيّ ثمن، بما في ذلك القول عن أكبر منظّمة إرهابية في العالم إنها ليست كذلك. هذا ثمن باهظ جدّاً»، في إقرار ضمني بفشل محاولة حكومته التأثير على خيارات بايدن، كما حصل مع سلفه، بنيامين نتنياهو، في مواجهة الرئيس باراك أوباما.
قد تصحّ، من حيث المبدأ، المقارنة بين رسالة بينت - لبيد، وبين خطاب نتنياهو أمام الكونغرس الأميركي في آذار 2015، ضدّ الاتفاق النووي الذي تمّ الإعلان عنه بعد أشهر من ذلك. لكنّ أوجه الاختلاف بينهما أبلغ دلالة وتأثيراً. فالرسالة ركّزت على معارضة مسألة محدّدة لا تزال رهن التفاوض مع قناعة بأن الطرفين سيتوصلان الى اتفاق، فيما كان نتنياهو يحاول احباط أصل الاتفاق الذي كان في طور التبلور. وبينما تبنّى الأخير لهجة هجومية عدوانية ضدّ إدارة أوباما، لا تزال حكومة بينت منحصرة في إطار السجال الهادئ مع إدارة بايدن، وهو ما تعزوه بعض التقارير الإعلامية إلى وجود صفقة بين الطرفين، تتعهّد بموجبها واشنطن بإطلاع تل أبيب على كلّ مستجدّ في المفاوضات، مقابل التزام إسرائيل بعدم شنّ هجمات علنية حادّة ضدّ الاتفاق، الأمر الذي ينفيه بينت فيما لا يفتأ نتنياهو يتحدّث عنه.
وتُظهر الرسالة الرسمية الإسرائيلية، والتي تقاطعت معها تحذيرات المعلّقين والخبراء والمسؤولين السابقين في الأجهزة الأمنية والسياسيين - في ما يشبه «هستيريا» عمّت وسائل الإعلام خلال الساعات الماضية -، حجم المخاوف من الخطوة الأميركية المتوقّعة - والتي وصفها بعض هؤلاء بـ«المهينة» لإسرائيل -، وانعكاساتها على صورة الولايات المتحدة في العالم، وتأثيراتها على حلفائها في المنطقة، كونها ستعني أن طهران نجحت في فرض شروطها على واشنطن حتى في أكثر القضايا حساسية. ومردّ هذه الحساسية، أن «الحرس الثوري» إنّما يمثّل المحتوى العقائدي للنظام، فيما تعتقد تل أبيب أن «قوّة القدس»، والتي تشكّل امتداده الإقليمي، هي المسؤولة عن معظم «مصائب» الأميركيين والإسرائيليين في المنطقة، جرّاء دعمها لأطراف «محور المقاومة». ومن هنا، نبّهت الرسالة إلى أن «الحرس الثوري الإيراني هو حزب الله في لبنان، والجهاد الإسلامي في غزة، والحوثيون في اليمن، والميليشيات في العراق»، وأنه يقف خلف الهجمات التي أدّت إلى مقتل أميركيين، ويخطّط لاستهداف كبار المسؤولين الأميركيين، في إشارة إلى المتورّطين في اغتيال قائد «قوّة القدس»، الشهيد قاسم سليماني. وعليه، تَعتبر إسرائيل أن من الخطأ الفادح التخلّي عن إحدى أهمّ أدوات الضغط على «الحرس»، والمتمثّلة في معاقبة كلّ مَن ينسج علاقة معه، حتى داخل إيران نفسها، بوصفه تهديداً مباشراً للأمن القومي الإسرائيلي، وهو ما يستهدف، على المدى الأبعد، حفر شرخ بين النظام والشعب، وتحديدا ازاء «الحرس» الذي يشكل أحد أهم أعمدة الجمهورية الاسلامية..
بقاء «الحرس» على القائمة الأميركية أو رفعه منها، لن يغيّر من حقيقة استمرار الصراع في المنطقة


وفي إطار التعبير عن تلك الهواجس، رأى الرئيس السابق لـ«شعبة العمليات» في جيش العدو، اللواء إسرائيل زيف، أنه «في حال قامت الولايات المتحدة برفع اسم الحرس من القائمة، فإن ذلك سيشكّل إنجازاً هائلاً للإيرانيين، وهزيمة مريعة للأميركيين، ويدفع إلى إنتاج بنية تحتية للحرب القادمة في الشرق الأوسط، وهذا خطير جدّاً، ومَن سيدفع الثمن هو نحن». ويؤشّر حديث زيف إلى الخشية من أن تُعزِّز هذه الخطوة صورة إيران كدولة قادرة على فرض معادلات قوّة، وإجبار الولايات المتحدة على التعايش معها، ولو عبر دفع أفدح الأثمان السياسية مقابل تجنّب سيناريو يورّطها من جديد في المنطقة. كذلك، تخشى تل أبيب من تداعيات هكذا قرار على حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، والذين تسعى الأولى إلى تعزيز علاقاتها معهم من أجل إنتاج قدر من التوازن في مواجهة إيران وحلفائها، وهو ما يؤشّر إليه تأكيد الرسالة أن «إسرائيل مؤمنة بأن الولايات المتحدة لن تخذل أقرب حلفائها».
على رغم ما تَقدّم، يبدو أن ثمّة اعتقاداً في تل أبيب بأن مسألة رفع «الحرس الثوري» من «قائمة الإرهاب» لم تُحسم بعد في الولايات المتحدة، وهو ما يدفعها إلى محاولة التأثير في السجال الدائر هناك، عبر رسالة علنية وبلغة مدروسة، ساعيةً بذلك إلى رفع رصيد المعارضين للخطوة في الداخل الأميركي، والممثّلين بكلّ من «الحزب الجمهوري» وبعض أجنحة «الحزب الديموقراطي». وبحسب تقدير السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن، داني أيالون، والذي نقلته «القناة 13» العبرية، فإن تسريب مسألة إزالة «الحرس» من القائمة، يهدف إلى فحص ردود الفعل. ورأى أيالون أنه «سيكون لذلك تأثير سياسي في الانتخابات النصفية في تشرين الثاني المقبل، وإذا فهم الديموقراطيون أن هذا يُعتبر من قِبَل الجمهور خطوة جبانة وتمسّ بقدرة الردع الأميركية واحترامها، ربّما هذا يردعه».
في كلّ الأحوال، فإن بقاء «الحرس» على القائمة الأميركية أو رفعه منها، لن يغيّر من حقيقة استمرار الصراع في المنطقة، وهو ما يؤشّر إليه كلام بينت نفسه أمام الحكومة، حيث قال إنه «حتى لو اتُّخذ هذا القرار المؤسف، إسرائيل ستُواصل التطرّق إلى حرس الثورة على أنه منظّمة إرهابية، وستُواصل العمل ضدّه كما تعمل ضدّ بقيّة المنظّمات»، في إعلان صريح بأن خطوة إدارة بايدن لن تكون ذات تأثيرات على مجريات الصراع في المنطقة. وبحسب التقديرات الإسرائيلية، فإن الاتفاق النووي سيفرض تحدّيات إضافية على تل أبيب، خصوصاً أن إدارة بايدن لم تستطع الصمود أمام تمسّك طهران بخطوطها الحمراء، بل تخلّت عن وعدها بالتوصّل إلى صفقة «أقوى وأطول»، لتجد إسرائيل نفسها أمام اتفاق أشدّ خطورة بعد التطوّر التكنولوجي والنووي الذي أحرزته إيران، ورفضها تدمير منظومات الطرد المركزي المتطوّرة، فضلاً عن كونه أقصر بالنظر إلى رفض طهران تغيير الفترات الزمنية المنصوص عليها في الصفقة الأصلية، والتي ترتفع بموجبها القيود على البرنامج النووي الإيراني، تدريجياً، بدءاً من عام 2025 وحتى عام 2031، ما يعني، بالمقارنة مع عمر الأفراد، كما لو أن الأمر سيبدأ بعد غد وينتهي بعد شهر!