انتفضت اللبنانيات عام 1952 وانتزعن حقهنّ بالترشح والتصويت، في مرحلة مبكرة من عمر الجمهورية. لبنان، البلد «المتقدّم» على محيطه في حينها على هذا الصعيد، يعدّ اليوم من الدول المتأخرة جداً في تشريع الكوتا النسائية، إذ سبقته دول كالعراق الذي شكّلت النساء 26,4% من نوابه في انتخابات 2021 متخطّيات عدد المقاعد المخصصة لهنّ في الكوتا. والحال نفسه في الأردن. أما في البحرين، فوصلت امرأة إلى رئاسة مجلس النواب بفضل الكوتا، وفي المغرب تمثل النساء 20.5% من البرلمان، و27.4% في مصر.وبمعزل عن الجدل بين مؤيدي مبدأ الكوتا ومعارضيه، وما إذا كان يفرض حضور المرأة أو يحصرها بعدد من المقاعد، فإنّ مشاركة النساء في برلمانات عدد كبير من الدول لم تصبح أمراً واقعاً إلا بإقرار الكوتا. على عكس المشهدية في لبنان، إذ لم تدخل الندوة البرلمانية سوى 14 نائبة منذ عام 1952، ولطالما رفضت الكتل النيابية مناقشة قانون الكوتا، وتركت لأحزابها حرية ترشيح نساء بالعدد الذي تراه مناسباً أو استبعادهنّ نهائياً كما هي الحال في لوائح حزب الله مثلاً. وككل الدورات الانتخابية، التغييرات من حيث الأعداد ليست كبيرة هذه المرة، إذ رشّح الحزب التقدمي الاشتراكي لغاية الآن كلاً من عفراء عيد في طرابلس وحبوبة عون في دائرة الشوف ــــ عاليه، وأعاد حزب القوات اللبنانية ترشيح النائبة ستريدا جعجع، ويسير التيار الوطني الحر في ترشيح الوزيرة السابقة ندى البستاني في كسروان، مع تثبيت بقاء النائبة عناية عز الدين في موقعها ضمن كتلة «التنمية والتحرير»، أي ما مجموعه 5 مرشحات.
قبيل الانتخابات الأخيرة في 2018، ترشّحت 111 امرأة، وبعد تشكيل اللوائح انخفض العدد إلى 86، 10 منهنّ فقط مرشحات سلطة والبقيّة منتميات إلى قوى وأحزاب معارضة أو مستقلات. وقد فازت 6 نساء بمقاعد نيابية، 5 منهن من ضمن لوائح السلطة. ما يعني أن النساء يمثّلن 4.6% من البرلمان اللبناني، في دلالة واضحة على حجم التهميش، إن كان في تبنّي ترشيحات النساء أو في الصوت التفضيلي الذي تجيّره الأحزاب لمصلحة الرجال على لوائحها وليس للنساء كما أظهرت أرقام انتخابات 2018.
العراق ومصر والبحرين والأردن والمغرب سبقت لبنان إلى اعتماد الكوتا


ووفق أرقام الاتحاد البرلماني الدولي، يحلّ لبنان في المرتبة 18 بين الدول العربية لناحية عدد النساء في البرلمان. وهذا الواقع ليس مستجداً. فتاريخياً، قضت طبيعة النظام الطائفي البطريركي على فرص المرأة في الحياة السياسية. وعندما كانت الأحزاب السياسية الحاكمة، ابنة هذا النظام وثقافته، تفسح المجال لدخول السيدات إلى الندوة البرلمانية لم يكن ذلك سوى لوراثة مقعد رجل لا وريث له، وليس لكفاءتهنّ أو الاعتراف بحقهنّ في الشراكة ببناء الوطن. لذلك، معظمهنّ دخلن الى المجلس النيابي متّشحات بالسواد. من ميرنا البستاني إلى صولانج الجميل ونايلة معوض ونهاد سعيد ونايلة التويني. أما ستريدا جعجع وبهية الحريري، فلم تحظيا بالنيابة إلا لكون زوج الأولى سجيناً، وشقيق الثانية رئيس تيار سياسي.
تتنوع أسباب تهميش المرأة بين ثقافية واقتصادية وسياسية، وبعيداً عما تتطلبه التوازنات الطائفية والتحالفات الحزبية، فإن قدرة الرجال الاقتصادية المتفوقة على قدرة النساء، بحكم هيمنتهم على الاقتصاد وسوق العمل، ووراثة عائلاتهم، ترفع حظوظهم في ترشيحات الأحزاب الباحثة عن مموّلين لحملاتها الانتخابية. وإلى جانب العائق المالي، تعاني النساء من حرمانهن من بعض الحقوق والامتيازات التي يتمتع بها الرجل، نتيجة التمييز القانوني ضدهنّ. تضاف إلى ذلك، نظرة اجتماعية تصوّرهنّ «كائنات» ضعيفة لا ثقة بقدرتهنّ على التمثيل الشعبي، على اعتبار أن العمل في الشأن العام، وتحديداً الميدان السياسي، حكر على الرجال الذين يرثون ثروات وأسماء وتاريخ عائلاتهم كأولياء العهد الشرعيين.



نساء البرلمان من 1943 إلى 2018
منذ الاستقلال عام 1943 حتى انتهاء الحرب عام 1992، وحدها ميرنا البستاني، دخلت مجلس النواب لعام واحد فقط خلفاً لوالدها النائب إميل البستاني، بعد وفاته عام 1963. في الدورة الأولى بعد الحرب، ضم مجلس عام 1992 ثلاث نساء من أصل ست مرشحات. لم يتغيّر العدد في انتخابات عام 2000. وفي عام 2005 ارتفع إلى 6 من أصل 16 مرشحة لينخفض في انتخابات عام 2009 إلى 4 من أصل 13 مرشحة. الارتفاع الملحوظ كان في عام 2018 مع ترشح 111 امرأة، فازت 6 منهنّ.