حصل اللبنانيون مساء أمس، بطريقة أو بأخرى، على حقهم الثابت بمشاهدة مباريات كأس العالم. تطلب الأمر الكثير من الذل والمهانة والتمرد والقرصنة والصفقات، إلا أنهم حصلوا عليه أخيراً بـ«المواربة» وبعد تأخير مشبوه وبكلفة باهظة جداً لا تنحصر بالتعويض المعلن بقيمة 3 ملايين دولار، الذي ستتقاضاه شركة «سما» المحتكرة لحقوق نقل المباريات في لبنان من المال العام «الحرام».
الاتفاق الذي أعلنه وزراء الاتصالات والإعلام والرياضة جسد «فضيحة»، بكل ما تعنيه الكلمة، فهو حرم تلفزيون لبنان حقَّه في بث المباريات، وحصره بموزعي «الكايبل» غير الشرعيين، الذين لم ينتظروا الاتفاق أصلاً، وقام أكثرهم (مشكوراً) بنقل المباريات، على الرغم من صدور قرار من قاضي الأمور المستعجلة نديم زوين يمنعهم من ذلك، وبالتالي جاء الاتفاق بصيغته المعلنة لمصلحة الشركة بالكامل، أو بمعنى أكثر دقّة، جاء بمثابة تعويض للشركة عمّا تعتبره «قرصنة» لحقوقها الحصرية، وهو بذلك يمثل دعماً موصوفاً لأرباح المحتكر ومصالحه. أُعلن الاتفاق أمس قبل توقيعه، وهو ينطوي على تحايل واضح على قانون المحاسبة العمومية، إذ إن وزير الاتصالات طلب من شركتي الخلوي المملوكتين من الدولة تسجيل نفقات في ميزانياتهما باعتبارها نفقات «تسويق» بقيمة 1.5 مليون دولار من كل شركة، وذلك للتهرب من موجب الحصول على «إجازة» قانونية بهذا الإنفاق. اللافت أن مهندس الاتفاق هو رئيس هيئة «أوجيرو» عبد المنعم يوسف، وهو يمتلك سجلاً حافلاً بمثل هذه «الإنجازات»، منها - على سبيل المثال - التنازل عن ضرائب مستحقة على شركتي الخلوي السابقتين «ليبانسل» و«سليس» بموجب اتفاق وقعه في باريس منذ سنوات من دون أن تكون له الصلاحية بذلك. منظر «الوزراء الثلاثة» في المؤتمر الصحافي في وزارة الاتصالات كان معيباً: بطرس حرب كان يستعجل الحصول على الصورة مع المدير التنفيذي للشركة المدعومة، حسن الزين، ظناً منه أنها تمنحه المزيد من الشعبية. عبد المطلب حناوي لم يبد حرصاً إلا على سرية المفاوضات مع هذه الشركة، حسبما صرّح. أمّا رمزي جريج، فزف إلى المشاهدين قائلاً: «إن أي حق لا يضيع إذا كان وراءه مطالب»، ولكنه قدّم
مطالعة قانونية تشكل طعناً بالاتفاق «المخزي» المعلن، باعتبار «أن حق اللبنانيين بمشاهدة مباريات كأس العالم دون أي قيد مكرس بعرف ثابت منذ زمن بعيد، وأن هذا الحق يتفوق على الحقوق الحصرية التي يمكن أن تستمدها شركة خاصة».
(الأخبار)