قبل يوم واحد على انتقال رئاسة مجلس الأمن الدولي من روسيا إلى الإمارات، طبقاً للترتيب الأبجدي المعمول به تقليدياً، كان التنسيق الروسي - الإماراتي واضحاً خلال جلسة التصويت على قرار وصَفَ حركة «أنصار الله»، في إحدى فقراته، بأنها «جماعة إرهابية». وبخلاف موقفها السابق، أيّدت موسكو القرار الذي قدّمته أبو ظبي، ويحمل الرقم 2624 تحت البند السابع، والذي قضى أيضاً بتجديد العقوبات المفروضة على اليمن في ظلّ استمرار حظر السلاح، وأدرَج الحركة ككيان على قائمة هذه العقوبات، بالإضافة إلى إدانة هجماتها ضدّ السعودية والإمارات، ومطالبتها بالوقف الفوري للأعمال العدائية. التناغم الروسي - الإماراتي تُوِّج بعد ساعات من ذلك، باتصال هاتفي بين ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وبحسب بيان صادر عن الكرملين، فإن ابن زايد «أكد أن لروسيا الحق في ضمان أمنها القومي». وكانت الإمارت قد امتنعت عن التصويت على قرارات في مجلس الأمس تتعلّق بإدانة روسيا بسبب عمليتها العسكرية في أوكرانيا. ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن دبلوماسي أوروبي قوله: «نحن مستاؤون جدّاً من الإمارات، ومقتنعون بأنها أبرمت صفقة قذرة مع روسيا مرتبطة بالحوثيين وأوكرانيا».
ويسود اعتقاد في الصالونات الدبلوماسية الأوروبية بأن أبو ظبي ربّما تكون قد امتنعت عن التصويت ضدّ موسكو، الجمعة والأحد، لتتجنّب، الإثنين، «الفيتو» الروسي ضدّ قرار تمديد حظر الأسلحة المفروض على اليمن. وإذ يروّج الإعلام الغربي بشكل لافت لهذه الفرضية، فإن ثمّة زاوية نظر أخرى إليها تقف السعودية في مركزها، وهي المتعلّقة باتفاق «أوبك+» والحاجة الروسية - السعودية المشتركة للحفاظ على الأسعار مرتفعة؛ إذ إن الجانب الروسي يستفيد من ذلك في جزئيّة مواجهة آثار العقوبات المستجدّة، بينما يستثمره الجانب السعودي في محاولة ابتزاز إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، لدفعها إلى «تطبيع العلاقات» مع وليّ العهد، محمد بن سلمان، إذا كانت تنوي الاستعانة بمقدّرات مملكته في مواجهة «الهلع» الأوروبي من استخدام سلاح الطاقة في إطار الصراع الروسي - الأميركي في أوكرانيا.
أمّا الإمارات، التي خصّص إعلامها مساحة كبرى للاحتفال بقرار مجلس الأمن، باعتباره «نجاحاً باهراً لدبلوماسية الدولة»، فقد تستفيد منه في إطار حملة العلاقات العامة الضخمة التي أطلقتها إثر عمليات «إعصار اليمن». إلّا أن الحقيقة هي أن القرار دارت حوله نقاشات مكثّفة بين أعضاء مجلس الأمن قبل عرضه على التصويت، تناولت الكثير من فقراته، خصوصاً تلك المتعلّقة بتصنيف حركة «أنصار الله» كـ«جماعة إرهابية»، حيث تمّ بحث صيَغ مختلفة تؤدي الغرض، تلبيةً لحاجة أبو ظبي إلى الخروج بـ«نصر دبلوماسي» بعد الصدمات المتتالية التي تعرّضت لها الشهر الماضي، وهو ما دفعها إلى الضغط من أجل اتّخاذ موقف أكثر عدوانية تجاه الحركة.
وصْف «أنصار الله» بأنها «جماعة إرهابية» ليست له قوة قانونية ولا يشكّل «تصنيفاً ذا تبعات»


قد يكون القرار، الذي وصف حركة «أنصار الله» في إحدى فقراته بأنها «جماعة إرهابية»، مهمّاً على الصعيد السياسي، خصوصاً أنه تحدّث بلغة جديدة وشاملة حول العملية السياسية في اليمن، إلا أنه لن يكون ذا أثر قانوني عملي، كما لن يغيّر في الخريطة الميدانية ومسار العمليات ومستقبل الإمدادات بالأسلحة والذخائر بالنسبة إلى الحركة، التي تدير المعركة منذ سبع سنوات وسط ظروف اقتصادية وسياسية معقّدة، زاد من تعقيدها الحصار السعودي المطبق. في الأساس، لم تكن جلسة مجلس الأمن، فجر الإثنين، مخصّصة لتصنيف «أنصار الله» كـ«منظّمة إرهابية»، بل كان عنوانها توسيع الحظر على توريد الأسلحة إلى الحركة. وبالتالي، فإن تمرير تعبير في إحدى فقرات القرار يصف الحركة بأنها «جماعة إرهابية»، ليست له قوّة قانونية ولا يشكّل «تصنيفاً ذا تبعات»، إلّا أنه قد يشكّل نوعاً من أنواع الضغط، علماً أن مجلس الأمن، الذي لم ينجح أعضاؤه حتى اليوم في الاتفاق على تعريف موحّد لـ«الإرهاب»، يشير عادة إلى «الأعمال الإرهابية» في قراراته، وليس إلى «الجماعات الإرهابية»، إلّا في حالات قليلة.
وبعيداً عن الجدل الحاصل حول تأثير التصنيف على إعاقة حركة التجارة والجهود الإنسانية في اليمن، فإن النقاشات التي دارت بين مسؤولين في إدارة بايدن وآخرين إماراتيين، إثر استهداف العمق الإماراتي بالصواريخ المجنّحة والمسيّرات، تناولت وجوب تصنيف «أنصار الله» كـ«منظّمة إرهابية أجنبية»، في مسعى لإحداث أكبر ضرر اقتصادي ممكن بالحركة وبيئتها، خصوصاً أن جهود مكافحة المنظّمات الإرهابية الأجنبية تَلحظ، من ضمن ما تَلحظ، تعطيل أعمال التجارة والصيرفة والبنوك، ما يستتبع نتائج سلبية بالغة على المدنيين.
في صنعاء، لا يبدو أن جديداً قد حدث. تقول مصادر «أنصار الله»، لـ«الأخبار»، إن «القرار الأخير الصادر عن مجلس الأمن الدولي لا مفاعيل عملانية له». وتتحدّث عن «الحصار المفروض على اليمن منذ نحو 8 سنوات، والذي يشمل توريد السلاح، كما يشمل حظر كلّ المواد الغذائية والإغاثية على السواء، وهذا ما تغضّ الأمم المتحدة النظر عنه حتى اليوم، مثبّتةً سياسة ازدواجية المعايير المتّبعة من الغرب بشكل عام». وترى المصادر أن «مجلس الأمن الدولي الذي كان يُدار من قِبل دول عظمى، أصبح الآن يُصدر القرارات لِمَن يدفع أكثر»، معتبرة أن الإمارات، وإنْ نجحت في تمرير قرار في مجلس الأمن يصف «أنصار الله» بـ«الجماعة الإرهابية»، إلّا أنها لم تنجح حتى الآن في إزالة الأسباب التي صنّفتها بموجبها صنعاء «دويلة غير آمنة».