طهران | كلّما اقترب موعد التوصّل إلى اتفاق نووي في فيينا، كلّما بدت الخطوة الأخيرة أطول وأصعب من سابقاتها، في ظلّ تحميل كلّ من الطرفَين، الآخر، المسؤولية بشأن اتّخاذ «القرار النهائي». وبعدما كانت واشنطن قد طالبت طهران بحسم قرارها، جاء دور إيران كي تحثّ مختلف الأطراف المتفاوِضة على ذلك. وفي هذا الإطار، أعلن كبير المفاوضين الإيرانيين، علي باقري كني، مساء الأربعاء، أنه «بعد أسابيع من المحادثات المكثّفة، فإنّنا نقترب إلى التوافق، أكثر من أيّ وقت مضى، لكن طالما لم يتمّ الاتفاق على كلّ شيء، فإنّ ذلك يعني عدم الاتفاق على أيّ شيء». وأضاف كني، في تغريدة له على موقع «تويتر»، أن «الوقت قد حان لأن تتّخذ الأطراف التي تتفاوض معنا القرار». وجاء تصريح المفاوِض الإيراني في وقت قال المتحدّث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، «إنّنا نمرّ بالمراحل النهائية والحاسمة لمحادثات فيينا، وسنكون في هذه المرحلة قادرين على تحديد ما إذا كانت العودة المتبادلة لخطّة العمل المشترك الشاملة (الاتفاق النووي) على الأبواب أم لا». من جهته، أكّد وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، أنّه لم تتبقَّ سوى بضعة أيام، قائلاً: «الآن، الكرة في ملعب إيران، لكي تعتمد القرار السياسي». أمّا رئيس الوفد الصيني، فانغ كوان، فأشار إلى أنه «تمّ اتخاذ خطوات» متقدّمة خلال الجولة الأخيرة، إلّا أنه شدّد على ضرورة «اتّخاذ المزيد من الخطوات»، من أجل التوصّل إلى الاتفاق النهائي. وإذ تشي هذه التصريحات بأن المحادثات قد وصلت إلى خواتيمها بالفعل، إلّا أنها تستبطن احتمالاً بانهيارها في ربع الساعة الأخير، لا سيّما أن كلّ طرف ما زال يتمنّى على الآخر أن يتراجع عن موقفه، ويقدّم المزيد من التنازلات. وفي هذا السياق، تفيد معلومات «الأخبار» بأن «أهمّ عقبة أمام التوصُّل إلى اتفاق نهائي، لا تزال تتمثّل في ضمان عدم انسحاب الولايات المتحدة ثانيةً منه، الأمر الذي يقول الطرف الأميركي إنه غير قادر على تقديمه». وفي الإطار نفسه، بدت لافتة المواقف الأخيرة الصادرة عن وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، في مقابلة مع صحيفة «فايننشال تايمز»، حيث طالب رؤساء برلمانات الدول الأطراف في الاتفاق النووي، بإصدار بيان سياسي يدعم الصفقة، على اعتبار أن ذلك سيشكّل ضمانة. وبغضّ النظر عمّا إذا كان طلبه قابلاً للتطبيق أم لا، إلّا أنّه يمثّل تراجعاً من قِبَل طهران عن مواقفها السابقة، التي كانت تدعو إلى المصادَقة على الاتفاق في الكونغرس الأميركي، أو تقديم ضمانات عمليّة ومتينة بشأنه. وعلى المقلب الأميركي، برز تحذير حوالى مئتي عضو جمهوري في مجلس النواب، في رسالة إلى الرئيس جو بايدن، من أنه «من دون موافقة الكونغرس، فإن أيّ اتفاق نووي مع إيران سيواجه مصير الاتفاق النووي لعام 2015».
لا تزال أهم عقبة أمام التوصُّل إلى اتفاق نهائي تتمثّل في ضمان عدم انسحاب واشنطن ثانيةً منه


كذلك، علمت «الأخبار» أن قائمة العقوبات التي من المقرّر رفعها، لا تزال تعدّ من المواضيع التي يجب اتّخاذ قرار نهائي بشأنها. إذ على الرغم من أن إيران لا تزال تدعو إلى رفع جميع العقوبات، بما فيها تلك التي وُضعت بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي (النووية وغير النووية)، إلّا أنّه تقرَّر، إلى الآن، رفع العقوبات المتّصلة بالاتفاق حصراً، والأخرى التي فُرضت تحت عناوين غير نووية لكن أثرها يشبه أثر العقوبات النووية. ومردّ هذا أن الطرف الأميركي لا يزال غير جاهز لرفع العقوبات المتّصلة بمجالات مِن مِثل حقوق الإنسان أو دعم الإرهاب، مستنداً في موقفه إلى قاعدة «المزيد مقابل المزيد»، أي أنه سيكون على طهران تقديم المزيد من التنازلات، التي تتجاوز حدود الصفقة النووية، في سبيل رفع المزيد من العقوبات عنها.
فضلاً عمّا تَقدّم، تشكّل كيفية التحقُّق من رفع العقوبات، إحدى القضايا التي تحتاج إلى قرار نهائي. وفي هذا الإطار، تكشف مصادر «الأخبار» أنه من المرجّح الاتفاق على آلية تنصّ على اعتبار نجاح معاملة مالية واحدة ناتجة من صفقة نفطية إيرانية، بعد إحياء الاتفاق النووي، معياراً للتحقّق، بالنظر إلى أنه من المستبعد أن تدوم آلية التحقُّق التي كانت إيران تطالب بها، لعدّة أشهر. كما تؤكد المصادر أنه من المقرّر إرسال اليورانيوم المخصّب وأجهزة الطرد المركزي الإيرانية المتطوّرة، والتي هي أبعد من الالتزامات باتفاق عام 2015، إلى بلدٍ آخر (على الأرجح روسيا). وكان الطرف الإيراني قد طالب بأن يجري ختم هذه الأجهزة بالشمع الأحمر، وأن يُحتفظ بها داخل البلاد، لكي يتمكّن في حالة انتهاك الاتفاق، من إدخالها بسرعة في دورة العمل. ولكن بما أن الطرف الغربي يعتبر أن وجود أجهزة الطرد المركزي تلك داخل إيران، سيؤدّي إلى تقليص فترة الطرد النووي، فقد عارض بالتالي احتفاظ طهران بها.