بعد تيار المستقبل، تحتل الجماعة الإسلامية موقعاً متقدماً في «الساحة السُّنية»، بامتدادها التنظيمي وحضورها في مختلف الدوائر الانتخابية، فيما يغلب الطابع المناطقي على بقية المكوّنات الناشطة «سنياً». تُعوّل الجماعة على هذا العنصر، وتضيف إليه عوامل أخرى لبناء «توقّعات إيجابية»، في الانتخابات المقبلة، مع إدراكها أنها «تفتقد الدّعم الإقليمي» الذي يُشكّل العامل الحاسم في تحديد «الأوزان السياسية» في اللّعبة اللبنانية.منذ أسابيع، حسمت الجماعة أمرها، وحدّدت الأسماء التي قد تُرشّحها في كلّ من الدوائر التّسع التي تتوزع عليها المقاعد السُّنية. يتقدم المرشحين، الأمينُ العام الحالي، عزام الأيوبي، الذي أكد لـ«الأخبار» أن الجماعة تتريّث حتى الآن في تقديم أوراق مرشحيها، في انتظار أن تُنهي «مساعيَ تقوم بها مع أوسع قدر ممكن من الموجودين على الساحة الإسلامية ليكونوا شركاء في ملء الفراغ». ويُحدّد سقفاً زمنياً لهذه العملية، هو نهاية شباط الجاري، وعلى أساسها تُحدّد الدوائر التي ستُسمّي فيها الجماعة مرشحين حزبيين، وتلك التي ستدعم فيها خياراً من «الساحة الإسلامية»، والدوائر التي ستدعم فيها خياراً من خارجها. لا توجد «قرارات مسبقة» بالنسبة إلى التحالفات. ويجزم الأيوبي: «حساباتنا تخضع للمصلحة الانتخابية ولتقبّل الساحة (الإسلامية والسُّنية)».
وعن المشروع السياسي والانتخابي، يشير الأيوبي إلى أنه ينطلق من الواقع اللبناني. فمنذ انتفاضة 17 تشرين الأول 2019 وبدء التدهور الاقتصادي، «تبرز عناوين مشروعنا الذي قدّمناه منذ خمس سنوات تحت عنوان: رؤية وطن». وبالتّوازي مع المسار الداخلي، يؤكد أن الجماعة معنية بما يجري في الإقليم، بالتالي يُركّز مشروعها على «عدم السّماح بإعادة تركيب لبنان بما يخدم المشروع الدولي الذي يعمل في كلّ منطقتنا، تحديداً في ما يتعلق بنقطتين أساسيتين: التطبيع مع الكيان الإسرائيلي ومحاولة تغيير القيم التي تقوم عليها المنطقة».

المفتي مُحايد
حاولت الجماعة لسنوات، وفق الأيوبي، أن تدفع في اتجاه «ترتيب البيت السُّني» تحت عباءة دار الفتوى. ويكشف أن الجماعة لم تكتفِ بطرح الأمر على مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان والرئيس سعد الحريري ونادي رؤساء الحكومة السابقين، بل أيضاً على «بعض الجهات الإقليمية المؤثّرة في الساحة السُّنية»، من دون أن «يحظى بفرصة للتّحقق». وعن أداء المفتي بعد قرار الحريري الانسحاب من الحياة السياسية، يجيب بأن الدّار «أصبحت أقرب إلى حالة الحياد في ما يتعلّق بالمكوّنات السُّنية ومسارها السياسي، بدلاً من أن تكون راعيةً للجميع، على غرارِ ما هو قائم عند مكوّنات أخرى»، ضارباً المثل بـ«الدور الذي لعبته بكركي في جمع المكوّنات المتناقضة سياسياً في الساحة المسيحية على قاعدة صلبة تُمثّل مصالح المسيحيين في لبنان». ويلفت الأيوبي إلى أنه «إذا كان حضور الحريري الكبير، سابقاً، أعاق هذا الأمر، فاليوم يُفترض أن هذا العائق انتهى»، متمنياً أن يكون للدّار «هذا الدور الجامع».
ستخضع التحالفات للمصلحة الانتخابية وتقبّل الساحتين الإسلامية والسُّنية لها


الضغط الإقليمي أصابنا
لم يسلم «إخوان لبنان» من تداعيات الضغط الإقليمي على «التنظيمات الإخوانية»، رغم أن الجماعة «لم تطاولها قرارات التّصنيف (على «قوائم الإرهاب») التي صدرت في بعض الدول العربية». تمثّلت التداعيات «غير المباشرة»، وفق الأيوبي، في «امتناع قوى أساسية مرتبطة بالدول والمحاور (المعادية للإخوان المسلمين) عن استكمال مسارات تعاون كانت قائمة بينها وبيننا، وعلى رأسها تيار المستقبل». ويتحدث عن معلومات نُقلت إلى الجماعة عن دور لعبه سفراء دول عربية في لبنان ضدّها، في أكثر من محطّة، ليَخلُص إلى أن «هناك محاولات جرت لحصار الجماعة سياسياً، كانت أبرز محطاتها انتخابات 2018». أما مالياً، فيشير إلى أن الجماعة «مُتأثّرة بسلسلة إجراءات بدأت قبل الربيع العربي وتصاعدت لاحقاً ما انعكس على نشاطها التنظيمي وعلى عمل مؤسساتها الاجتماعية». بالتّوازي، يحرص الأيوبي على التأكيد «أن تمويل الجماعة الخارجي لا يأتي من دول، وإنّما من دعم تقدّمه جاليات إسلامية في مختلف أقطار العالم، لبنانية وغير لبنانية».

أين الدليل على حضور تركي في لبنان أو أن أنقرة تشكل حاضنة للحركات الإسلامية؟


لكن ماذا عن العلاقة بقطر وتركيا؟ ينفي الأيوبي، بشكل قاطع، تلقّي أي دعم سياسي أو مالي من أيٍّ من الدولتين. «الدّعاية في موضوع الرّعاية (دعم وتمويل حركات «الإخوان المسلمين»)، بصراحة، أكبر بكثير من الحقيقة». ويصنّف سياستهما تجاه «التنظيمات الإخوانية» على أنها «سياسة حيادية»، بمعنى أنهما غير سلبيتين نحوها، إذ إن قطر تتعامل معهم «كما تتعامل مع أي فريق لبناني آخر». أما العلاقة مع تركيا، فتكاد تشبه العلاقة مع قطر «إلى حدٍّ بعيد». وعما يُحكى عن دعم تركي لـ«إسلاميّي لبنان»، فيؤكّد «أن هناك دلائل بالجملة تشير إلى عكس ذلك تماماً»، مستنداً إلى الأرقام والفئات المُستهدفة من «المساعدات الضئيلة إلى أبعد الحدود» التي تصل إلى لبنان من تركيا. فعلى سبيل المثال، المشاريع التي تنفّذها وكالة «تيكا» الحكومية التركية «محدودة جداً، ولا تميّز بين منطقة مسلمة أو مسيحية. قيمة المشاريع التي افتتحتها أخيراً كانت أكبر في مناطق مسيحية». أما الجمعيات الإنسانية التركية، فإن «أكثر من 85 إلى 90% من مساعداتها، خلال السنوات العشر الأخيرة، ذهب بالدرجة الأولى إلى النازحين السوريين، وبالدرجة الثانية إلى المخيمات الفلسطينية». بناءً عليه، يسأل الأيوبي: «أين الدليل على حضور تركي في لبنان، أو أن تركيا تشكل حاضنة أو داعمة للحركات الإسلامية؟ يجب الالتفات إلى أن تركيا بعيدة أصلاً عن الجمهور اللبناني عموماً».



تأجيل المؤتمر التنظيميّ
أجّلت الجماعة الإسلامية انتخاباتها الداخلية ستة أشهر إلى حزيران المقبل. وعلمت «الأخبار» أن القرار اتخذه «مجلس الشورى» في الجماعة بسبب تزامن المؤتمر مع استحقاق الانتخابات النيابية. ويُفترض أن يختار المجلس الذي ستفرزه الانتخابات الداخلية أميناً عاماً جديداً، سيكون الخامس منذ تأسيس الجماعة عام 1964. ولا يسمح النظام الداخلي ببقاء الأمين العام في منصبه أكثر من دورتين تنظيميتين متتاليتين، وبالتالي لا يمكن التجديد للأمين العام الحالي. ويبرز اسم نائب الأمين العام الشيخ أحمد العمري (الرئيس السابق لـ«هيئة علماء المسلمين»)، كأحد أقوى المرشحين لخلافة الأيوبي، علماً أن النقاش الجدّي مؤجّل إلى ما بعد الانتخابات.


العلاقة مع حزب الله
الأمين العام للجماعة الإسلامية عزام الأيوبي لم يؤكّد أو ينفِ ما نشرته «الأخبار» في 17 حزيران الماضي عن لقاء بينه وبين الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، بوساطة من رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية، لترتيب العلاقة بين التنظيمين بعد تردّيها عقب الأزمة السورية. لكنه يؤكد أن «تفعيل الحوار» بين الطرفين يعود إلى عام 2016، وأن ذلك تمّ بقرار من الجانبين. ويشير إلى أن «حماس» لعبت دوراً في مرحلة لاحقة ساهم في «تفعيل قنوات الحوار»، كما أن أكثر من فريق حاول أن يدفع في اتجاه «زيادة حجم التواصل»، من بينها قوى لبنانية قريبة من حزب الله. الحوار حتى الآن، وفق الأيوبي، لا يزال في إطار تحديد مواطن الاختلاف والالتقاء، ولم يؤدّ بعد إلى «تفاهمات نهائية في أيٍّ من الملفات». أما التعاون والتنسيق في ملف المقاومة، فـ«غير قائميْن» في الوقت الحالي، مشيراً إلى أنهما متوقفان منذ عام 2006. ووفق الأيوبي، فإنّ الوصول إلى تفاهمات بين الطرفين «ليس سهلاً»، نتيجة تراكم سنوات من «الاختلاف الكبير في ملفات ليست سهلة»، وهو «يحتاج إلى وقت»، مع الإشارة إلى أن الظروف الراهنة «لا تخدم الاتجاه الإيجابي».