مقالات مرتبطة
وعلى ضوء معطيات تلك الوثيقة، يمكن القول إن العلاقات بين بكين وموسكو وصلت إلى مرحلة استراتيجية، سيؤسّس البَلدان بموجبها تعاوناً مشتركاً في مواجهة الولايات المتحدة و"الناتو" والاتحاد الأوروبي. وهو ما بدأ يَظهر في تَغيُّر الموقف الصيني حيال الأزمة الأوكرانية، بعدما كانت بكين ترفض في السابق التصويت في مجلس الأمن لصالح موسكو في القرارات ذات الصلة، فيما بدأت اليوم تنتقد بشكل لاذع خطوات كييف، إضافة إلى إعلانها الصريح حقّ موسكو في الحصول على الضمانات الأمنية التي تريدها. ويرى خبراء روس، في تقرير لصحيفة "فزغلياد"، أن القيادة الصينية تَعتبر الجبهة الأوكرانية خطّ دفاع متقدّماً عن تايوان؛ إذ كلّما فشلت جهود واشنطن هناك، سينعكس ذلك أيضاً فشلاً لخططها في الجزيرة التايوانية. ويُعزى هذا التغيُّر في الموقف الصيني إلى عاملَين أساسيَين: الأوّل تزايد أهمية العلاقات مع روسيا في ظلّ الظروف الدولية الحالية؛ والثاني نجاح واشنطن في زرع نظرة عدائية للصين في شرق أوروبا، وبخاصة في أوكرانيا، وليتوانيا، والتشيك.
أعلن الرئيس الصيني التطلّع إلى زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدَين إلى 250 مليار دولار سنوياً
بناءً عليه، أكد جين بينغ أن العلاقات الصينية - الروسية "خيار استراتيجي له تأثير عميق طويل الأمد على كلا بلدَينا، بل على العالم بأسره. وهو سيظلّ أمراً لا يتزعزع مستقبلاً، مثلما كان سابقاً". وفي الاتّجاه نفسه، أعلن بوتين ارتقاء العلاقات بين البلدَين إلى مستوى غير مسبوق، سواءً خلال لقائه نظيره الصيني، أو في المقال الذي كتبه في وكالة "شينخوا" الصينية قبيل الزيارة، التي حملت بنفسها دلالات كبرى على هذا الصعيد. وشدّد الرئيس الروسي على أهمية تطوير الصلات التجارية، لافتاً إلى أنه في نهاية عام 2021، ارتفع حجم التبادل التجاري أكثر من الثلث، مُتجاوِزاً 140 مليار دولار أميركي، معتبراً أن البلدَين يسيران قُدُماً على الطريق الصحيح في اتّجاه الهدف المتمثل في زيادة حجم التجارة البَينية إلى 200 مليار دولار سنوياً. إضافة إلى ذلك، كشف بوتين، في مقاله المُشار إليه، أن "محفظة اللجنة الروسية - الصينية الحكومية الدولية للتعاون الاستثماري تشمل 65 مشروعاً، تزيد قيمتها على 120 مليار دولار أميركي"، وتشمل مجالات مِن مِثل التعدين ومعالجة المعادن وإنشاء البنية التحتية والزراعة.
يبقى أن قطاع الطاقة يمثّل القطاع الأهمّ في التبادل التجاري بين البلدَين. ولذا، وقّعت شركة "غازبروم"، أمس، عقداً طويل الأجل مع "شركة البترول الوطنية الصينية" (سي أن بي سي) لتوريد 10 مليارات متر مكعّب من الغاز الروسي. كما وقّعت "شركة الطاقة الروسية" (روس نفط) اتفاقية مع "سي أن بي سي" الصينية لتوريد 100 مليون طن من النفط إلى الصين عبر كازاخستان، على مدى 10 سنوات. كذلك، يبحث البلدان مدّ أنبوب غاز عبر منغوليا، لزيادة تدفُّق الغاز الروسي إلى الصين. وتأتي هذه الاتفاقيات كجزء من الخطط التي يوليها الرئيس الروسي أهمية، وضِمنها بناء أربع وحدات جديدة للطاقة، أُطلقت العام الماضي، في محطّات الطاقة النووية الصينية، بمشاركة شركة "روساتوم" الحكومية الروسية للطاقة النووية، وهو ما يرى بوتين أنه "يعزّز بشكل كبير أمن الطاقة في الصين ومنطقة آسيا ككل". بدورها، ترى الصين أن تعزيز أنابيب النفط والغاز مع روسيا يضْمن لها عدم انقطاع هاتَين المادّتَين الحيويتَين في حال تصاعُد المواجهة مع الولايات المتحدة، بسبب سيطرة واشنطن على الممرّات البحرية. وعلى رغم ما تَقدّم، تظلّ وجهات نظر البلدَين مختلفة في مجال الاستثمار؛ ففيما يؤكد بوتين أن "أحد الأهداف الاستراتيجية لروسيا يتمثّل في تسريع التنمية الاجتماعية والاقتصادية لسيبيريا والشرق الأقصى الروسي"، لا يرى المستثمرون الصينيون في هذه المناطق أولوية، قياساً على موسكو وسان بطرسبورغ ومدن روسية أخرى في الغرب، وهو ما لا يُتوقّع أن يتبدّل بحسب خبراء اقتصاديين روس.
قبيل زيارة بوتين للصين، استشهد السفير الروسي لدى بكين، أندري دينيسوف، بجملة من الكلاسيكيات الصينية تقول "الآفاق مشرقة، لكن الطريق متعرّج"، في إشارة إلى التحدّيات التي تواجهها العلاقات بين البلدَين. لكن نتائج الزيارة أتت لتؤكّد أن موسكو وبكين عازمتان بالفعل على تجاوز تلك التعرّجات، أملاً في شقّ طريق منتظم نحو كسْر الهيمنة الأميركية.