بغداد | تصاعدت الأحداث الأمنية في العراق بنحو متسارع، بعد انسحاب القوى الأمنية من مدينة الموصل، وسيطرة تنظيم «داعش» على كل مفاصل المدينة الأثرية، واحتلال المسلحين مبنى المحافظة والمطارين المدني والعسكري ونهب أموال المصارف وكل ممتلكات الدوائر الرسمية.
تداعيات هذا التطور الخطير حوّلت مدن متوترة أمنياً إلى صفيح ساخن، إذ أخلت محافظة صلاح الدين المباني الحكومية وعطلت الدوام الرسمي، تحسباً لأي طارئ، فيما أعلنت قيادة عمليات ديالى رفع حالة التأهب القصوى، وفرضت كركوك حظراً للتجوال الجزئي في مدينة كركوك.
النائب عن كتلة متحدون، ومقرر مجلس النواب، محمد الخالدي رفض التعليق على التراخي الأمني، لكنه قال لـ «الأخبار» إن المعلومات تشير إلى وجود تخاذل وتواطؤ من داخل القوات الأمنية أدت إلى هذا الإنهيار الفجائي في صفوف الجيش العراقي.
من جهته، قال النائب عن «ائتلاف دولة القانون» سلمان علي، إن ما ذهبت إليه النائبة البارزة في ائتلاف دولة القانون حنان الفتلاوي بـ «انتقال المعركة مع الإرهاب بالكامل من سوريا الى العراق». وقال في تصريحه لـ «الاخبار» إن «المعلومات تشير إلى إجلاء مسلحي تنظيم «داعش» الإرهابي من سوريا وجلبهم إلى العراق، بهدف إحداث فتنة طائفية جديدة في البلد، من أجل تنفيذ المخطط الخبيث الرامي الى تقسيم العراق».
«الأخبار» تواصلت هاتفياً مع عدد من أبناء المدينة العالقين في الموصل، وحدّثونا عن معاناة غير مسبوقة يعيشها الأهالي في عموم المدينة. ويشير سداد أحمد، وهو مهندس مدني يعمل في إحدى شركات البناء بالمدينة، إلى أن «الأهالي عجزوا عن النزوح، بعد إغلاق قوات البشمركة الكردية منفذ شيخان بالجدار الكونكريتي، ومنفذ سيطرة العقرب من الجيش العراقي، ومنفذ تكريت من قبل تنظيم داعش».
وأضاف أحمد أن «الإرهابيين أطلقوا سراح نزلاء سجن بادوش الواقع في أطراف الموصل، والبالغ عددهم نحو 3 آلاف نزيل، والتحق معظمهم بتنظيم «داعش»، الذي ازداد قوة وفرض هيمنته على أرجاء أوسع من المدينة».
وكانت وزارة الدفاع العراقية قد أعلنت سحب الطائرات والمعدات العسكرية إلى مطار كركوك قبيل انسحاب قوات الجيش من هناك.
وشهدت الموصل صباح أمس نزوح آلاف العوائل إلى القرى والبلدات المجاورة هرباً من المعارك، بعدما بسط تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام سيطرته على كافة أرجاء المدينة فجر أمس.

من جانب آخر، قرر البرلمان العراقي عقد جلسة طارئة يوم غد الخميس، لمناقشة الأوضاع الأمنية التي تشهدها البلاد، بعد دقائق من تسلم مجلس النواب طلباً من الحكومة لإعلان حالة الطوارئ.
وتلا رئيس الوزراء نوري المالكي بياناً، بعد اجتماع طارئ للحكومة أمس، حضره جميع الوزراء، أُعلن خلاله «إعادة هيكلة القطعات العسكرية التي انسحبت من الموصل، والطلب من الأمم المتحدة ومجلس الأمن مساعدة العراق في هذه المرحلة». ودعا المالكي دول الجوار إلى منع تسلل الإرهابيين، موجهاً المؤسسات الحكومية للقيام بواجباتها لرعاية العوائل المهجرة، وتعبئة كل إمكاناتها للتخفيف عن كاهل العوائل التي تركت منازلها.
وأضاف: «سيكون هناك عمل جدي من قبل الأجهزة الأمنية لتقويم المرحلة الماضية، ومحاسبة المقصرين والمتخاذلين والاستفادة من التجربة، للانطلاقة مرة أخرى لحشد الطاقات الوطنية من أجل إنهاء أزمة الموصل».
كذلك، وجّه المالكي آمري القطعات العسكرية باعتقال كل من يتخلى عن موقعه وإحالته على المحاكم العسكرية الميدانية.
وفي أول رد فعل على بيان رئيس الوزراء، أعلن رئيس مجلس محافظة صلاح الدين أحمد الكريم، إقالة مدير شرطة المحافظة اللواء الركن جمعة عناد، وتعيين المدير السابق حمد النامس بدلاً منه.
وقبل بيان رئيس الوزراء، ظهر رئيس البرلمان أسامة النجيفي في مؤتمر صحافي، محذراً من خطورة ما ستؤول إليه الأمور بعد سيطرة التنظيمات الإرهابية على أرجاء الموصل.
واتهم القيادات الأمنية بـ«التخاذل»، وعدم التعامل مع معلومات وتحذيرات مسبقة لحماية الموصل من هجمات الإرهابيين، معتبراً ما حصل «انتكاسة بكل المقاييس». ودعا رئيس البرلمان العراقي إلى تجاوز كل الخلافات السياسية هذه الأيام لتحرير الموصل، مؤكداً تواصله مع رئيس إقليم كردستان للإسهام في «التصدي لهذه الهجمة الخطيرة».
كذلك، كشف النجيفي عن أنه طلب من الإدارة الأميركية أن تتدخل في ما يحصل في مدينة الموصل ضمن الاتفاقية الاستراتيجية، فيما أكد أنه يعمل على «حشد الرأي العام الخارجي والداخلي لصد هذه الهجمة».
في هذا الوقت، شددت المرجعية الدينية العليا على ضرورة توحيد الكلمة وتعزيز الجهود للوقوف بوجه الإرهابيين، داعيةً القوات المسلحة إلى الصبر والثبات في مواجهة المعتدين.
وذكر بيان للمرجع السيد علي السيستاني أن «المرجعية تؤكد دعمها وإسنادها لأبنائها في القوات المسلحة».