«دخّن عليها تنجلي» مقولة يتحصّن خلفها المدخّنون، رغم أن هموم تأمين مقوّمات العيش لم «تنجلِ» يوماً بسيكارة أو بـ «نفس أركيلة». رغم ذلك، المدخّنون ثابتون على إدمانهم مهما ارتفعت أسعار السجائر و«المعسّل»... مع فارق «بسيط» يتمثّل بالبحث عن النوع الأرخص ثمناً، «حتى صرت أسأل البائع: شو بدّي دخّن اليوم، بدل أن أطلب نوعاً محدداً»، بحسب أحدهم، بعدما زادت أسعار السجائر، على أنواعها، عشرات الأضعاف، «التهريب» منها و«الإدارة»، من دون أثر يُذكر للوائح الأسعار التي يصدرها «الريجي». فالـ«سيدرز»، مثلاً، وهي السيجارة «الوطنية» التي كانت تُعتبر «سيجارة الفقير»، يُراوح سعرها بين 17 ألف ليرة و20 ألفاً، بحسب تأرجح الدولار، ارتفاعاً من 500 ليرة قبل الأزمة. دفع ذلك كثيرين للعودة إلى «اللفّ، أو «التتن العربي» الذي يشهد إقبالاً من شريحة واسعة من المدخّنين من الفقراء ومتوسطي ومحدودي الدخل.«التتن العربي له عشّاقه الذين لم يتخلوا عنه يوماً رغم انتشار الدخان المصنّع»، كما يقول لـ«الأخبار» علي يوسف، ابن بلدة ايزال (الضنية) الشهيرة بإنتاج «الدخان العربي» بأنواعه المختلفة، وفي مقدمها «البصمة» وهو «نخب أول». يؤكّد الرجل السبعيني أن الطلب «زاد أخيراً على الدخان العربي بكل أنواعه، الخفيف والمتوسط والثقيل، بنحو 150%. التاجر الذي كان يطلب 10 كيلوغرامات صار يطلب 25 كيلوغراماً، رغم أن الأسعار زادت أيضاً. فسعر الكيلو من الباب الأول زاد من 120 ألف ليرة قبل عامين إلى نحو 500 ألف»، لافتاً إلى أن السوق اللبناني «مليء بالدخان العربي المغشوش والمضروب الذي يباع بـ 250 ألف ليرة للكيلو».
يعتمد سكان ايزال التي تضم نحو 500 أسرة، بشكل شبه كامل، على إنتاج الدخان العربي الخام والبعلي، وينتجون سنوياً أكثر من 15 طناً تُباع في لبنان وسوريا. و«من يعرف نكهة سيجارة اللف ما بيختار إلا دخان ايزال لأنو بيتنقى ورقة ورقة». ويشرح يوسف أن «البصمة» أو «الزهرة» يُعدّ أفخر أنواع الدخان العربي، وهو يتميز بلونه الذهبي، ويُراوح سعره بين 400 ألف ليرة و500 ألف، إذ تُنتقى أوراقه بدقة كبيرة، وكل 100 كيلو من التبغ البعلي من نوع «برلي» ينتج 15 كيلوغراماً فقط من «البصمة». وتأتي بعد «البصمة» أنواع عديدة أقل جودة كـ«اليالديز» و«الدكمة» و«الطحش» وغيرها، وتُراوح أسعارها بين 250 ألف ليرة و400 ألف للكيلو.
يوضح يوسف أن هناك مصادر عديدة للدخان العربي في عدد من المناطق اللبنانية، في الجنوب والبقاع وزغرتا ورشعين، مع منافسة سورية وتركية، «لكنّ طبيعة ايزال ومناخها يجعلانها مقصداً لمدخني العربي في لبنان وسوريا لجودته ونكهته».
بعيداً عن «النكهات»، ثمّة ما هو أولى لدى المدخنين الذين أصبح همّهم تأمين «مونتهم» اليومية بأقل كلفة ممكنة، خصوصاً مع فوضى التسعير بين محل تجاري وآخر في الشارع نفسه. «الجميع يبيع على هواه من دون ضوابط»، يقول علي شمص الذي «هجر» الدخان المصنّع إلى «اللفّ» بعدما كان يدخّنه أساساً، قبل أن يستبدله بالمصنّع «لسهولة تدخينه بدلاً من اللف عند كل سيجارة. لكن، اليوم اختلف الأمر وصار بدها علبة الدخان حسابات. كنت أدخن كروزين مارلبورو شهرياً يساوي سعرهما اليوم راتباً شهرياً، فيما سعر كيلوغرامين من النوع العربي الثقيل لا يتجاوز 750 ألف ليرة، ويكفيني ثلاثة أشهر على الأقل». الحسابات المالية نفسها تنطبق على الشاب محمد يزبك الذي تخلّى عن «دافيدوف» لمصلحة العلبة الفضيّة وورق اللف الناعم، إذ «لم أعد قادراً على شراء 3 كروزات في الشهر. كيلو العربي بـ 400 ألف ليرة بيمدّ معي شهرين». وإلى التوفير المالي، للأستاذ الثانوي المتقاعد خليل حمية «دوافع أخرى»، منها أن الدخان العربي «أنظف لانتقاء أوراقه ورقة ورقة وفرمها بدون أية مواد كيميائية، ناهيك عن تشجيع المزارعين الذين يعتبرون إنتاج الدخان العربي غلّة موسمهم السنوية في ظل المنافسة الشرسة والعوامل والظروف غير المتكافئة بينهم وبين الشركات المصنّعة».