غزة | لا تضع فصائل المقاومة الفلسطينية رهانات كبيرة على المباحثات المنويّ عقْدها في الجزائر لإعادة إطلاق مسار المصالحة، في ظلّ استمرار خلافاتها الجوهرية مع حركة «فتح»، واستشعارها أن ما يقوم به محمود عباس اليوم ليس إلّا تكتيكاً هدفه إعادة تعويم نفسه قبيل بدء أيّ مسار تفاوُضي. مع ذلك، لم تُقابِل الفصائل الدعوة الجزائرية إلى الحوار إلّا بإيجابية، بالنظر إلى المواقف المشهودة للجزائر في مساندة القضية الفلسطينية ورفْض التطبيع، والتي يسعى عبد المجيد تبون إلى تثبيتها، قُبيل استضافة بلاده القمّة العربية الآتية، أملاً في تشكيل مركز ثقل بوجه دول التطبيع
وسط أجواء متشائمة في شأن إمكانية تحقيق تقدّم في ملفّ المصالحة الفلسطينية الداخلية، حضّرت الفصائل رؤاها لإتمام هذه المصالحة، التي يُتوقّع أن تبدأ مباحثاتها برعاية الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، نهاية الشهر الحالي. وتتباين الرؤى التي تحملها الأطراف المعنيّة في هذا الشأن، ما بين مطالبات بإعادة إطلاق مسار المصالحة من حيث انتهى، وإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والوطنية على التوالي، وإيجاد حلّ لمعضلة عقْدها في القدس، وما بين العودة إلى طرْح إصلاح «منظّمة التحرير»، وإجراء انتخابات للمجلس الوطني كخطوة أولى.
وبحسب مصادر في حركتَي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» و«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، فإن غالبية الفصائل المشارِكة تحمل رؤية موحّدة لإطلاق المصالحة، على أساس إصلاح «منظّمة التحرير» والاتفاق على انتخابات للمجلس الوطني، يليه الاتفاق على البرنامج السياسي للمنظّمة، ثمّ يتبعه تنفيذ الانتخابات الرئاسية والتشريعية. وترفض الفصائل الثلاث أيّ اشتراطات يضعها رئيس السلطة، محمود عباس، من أجل تحقيق ذلك، وخصوصاً الاعتراف بشروط «الرباعية الدولية» وبقرارات «الشرعية الدولية»، قبل البدء في حوار إنهاء الانقسام وإتمام الوحدة الوطنية. وإلى أبعد ممّا تَقدّم يذهب مصدر «حمساوي» في حديثه إلى «الأخبار»، بقوله إن حركتَي «حماس» و«الجهاد» تدركان جيّداً أن توجُّه عباس، حالياً، نحو المصالحة، نابع من محاولته تجديد شرعيّته، وإرادته الظهور بأنه لا يزال يمتلك الشرعية والتمثيل لكلّ الفلسطينيين، قبل إطلاق مشاريع جديدة للمفاوضات.
في المقابل، تفيد مصادر «فتحاوية»، «الأخبار»، بأن وفد حركة «فتح» يحمل الرؤية نفسها التي قدّمها عباس في آب الماضي، والتي تشمل تشكيل حكومة وحدة وطنية، وفق شروط «الرباعية الدولية» و«الشرعية الدولية»، كخطوة أولى لاستكمال المصالحة التي ستشمل، في وقت لاحق، الانتخابات التشريعية، وبعدها الرئاسية، ثمّ المجلس الوطني. وستطلب «فتح» من الفصائل العودة إلى المقاومة الشعبية ضدّ الاحتلال، وفق ما تمّ الاتفاق عليه في حوارات القاهرة العام الماضي، إضافة إلى وقْف العمليات المسلّحة، إلى حين إتمام إجراءات المصالحة.
وكانت «حماس» أعلنت تلقّي رئيس مكتبها السياسي، إسماعيل هنية، دعوة رسمية لزيارة الجزائر، للتباحُث بشأن سبُل إنجاح الحوار الوطني الفلسطيني، وتشكيلَ وفدٍ يضمّ عضوَي مكتبها السياسي، خليل الحية وحسام بدران، من أجل مرافقة هنية. من جهته، أكد رئيس المكتب الإعلامي في مفوّضية التعبئة والتنظيم في حركة «فتح»، منير الجاغوب، وصول وفود تابعة لستة فصائل فلسطينية (هي «فتح»، «حماس»، «الجهاد الإسلامي»، «الجبهة الشعبية»، «الجبهة الديموقراطية»، و«الجبهة الشعبية – القيادة العامة») إلى الجزائر، لبحث ملفّ المصالحة مع جهات سيادية عليا في البلاد، موضحاً أن وفد حركته يرأسه عزام الأحمد، ويضمّ عضوَي اللجنة المركزية، دلال سلامة ومحمد المدني، فضلاً عن سفير فلسطين في الجزائر فايز أبو عيطة.
وتأتي هذه الخطوة بعد اتفاق تبون مع عباس، في السادس من كانون الأول الماضي، على استضافة مؤتمر جامع للفصائل. وستبحث الجهات السيادية العليا في الجزائر، مع كلّ وفد على حدة، رؤيته لكيفية تحقيق اختراق حقيقي في ملفّ المصالحة، تمهيداً لعقْد جلسة جامعة يمكن من خلالها الانتقال إلى خطوات قابلة للتنفيذ على الأرض، والمساهمة في تعزيز الحوار الإيجابي، ووقْف التراشق الإعلامي. وبعد الاستماع إلى رؤية كلّ فصيل، ستقوم تلك الجهات بتقديم مُجمل ما استمعت إليه إلى مكتب الرئيس الجزائري، ليجتمع الأخير مع الأجهزة والمؤسسات السيادية، بما فيها وزارة الخارجية، ويتواصل مع الرئاسة الفلسطينية، من أجل البدء بتنفيذ الخطوات المُوطّئة لإقامة مؤتمر جامع يحقّق المطلوب منه.