تشهد جلسة لجنتي المال والموازنة والإدارة والعدل، في مجلس النواب اليوم، منازلة حول مشروع الـ«كابيتال كونترول»، لا سيما النسخة التي تبنّاها رسمياً مستشار رئيس الحكومة النائب نقولا نحاس. تتضمن هذه النسخة تعديلات عدة، أبرزها إضافة وزارة المال كشريك في الصلاحيات الاستنسابية المعطاة لمصرف لبنان في كل ما يتعلق بتطبيق المشروع. غير أن نسخة نحاس لا تتضمن تعديلات في موجبات المشروع المتصلة بإبراز موافقة صندوق النقد عليها. ففي الجلسة السابقة اعترض رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان على الصيغة المعروضة باعتبار أن إعدادها، في ظل نسختين أعدّتا في اللجنتين، يأتي تلبية لطلب صندوق النقد في إطار التفاوض معه على برنامج تمويلي.إلا أنه بمعزل عن هذا السجال الدائر بين جبهتي التيار الوطني الحر ورئيس مجلس النواب الذي استعجل دعوة اللجان المشتركة قبل يوم واحد من عقد هيئة عامة، فإن هناك قناعة سائدة لدى الخبراء القانونيين بأن المادة الثامنة من اقتراح القانون المكرر المعجل لا لزوم لها سوى محاولة حماية المصارف من الدعاوى المحلية والخارجية المرفوعة ضدّها من المودعين. هذه المحاولة غير محسومة النتائج لجهة الدعاوى خارج لبنان، إذ لا شيء يلزم المحاكم الأجنبية تطبيق القانون اللبناني، ولا شيء يلزمها بأن تتعامل مع دعاوى سابقة مرفوعة أمامها، وفق قانون لبناني يعمل بمفعول رجعي بل قد تعتبره تلاعباً بحقوق المستهلك.
وتنصّ المادة الثامنة من اقتراح القانون الذي تبنّاه نحاس، على «أنّ أحكام هذا القانون هي استثنائية، ومن النظام العام، وتطغى على كل نصّ يتعارض معها، وتطبّق فوراً بما في ذلك على التحاويل التي لم تنفّذ بعد، كما تطبّق على الدعاوى والمنازعات في الداخل والخارج التي لم يصدر فيها حكم مبرم وغير قابل لأي طريق من طرق المراجعة وذلك خلال مدّة نفاذه».
تبنّي نحاس لهذا المشروع لا يعني أنه اقتراحه حصراً، بل هو ثمرة اتفاق مشترك مع فريق العمل الذي يرأسه نائب رئيس الحكومة سعاده الشامي. وأحد العاملين الرئيسيين على إعداده هو مروان مخايل الذي عيّن أيام حكومة الرئيس حسان دياب عضواً للجنة الرقابة على المصارف واستقال في تشرين الثاني 2020 لينضم إلى صندوق النقد الدولي. لكن مخايل طلب من الصندوق استيداعاً من وظيفته يمتد لغاية توقيع اتفاقية القرض مع صندوق النقد، للعمل ضمن فريق ميقاتي. أما نحاس، فتولّى الإشراف النهائي على اقتراح القانون لجهة وضع الملاحظات والتعديلات، وأعدّ «الأسباب الموجبة» لتبرير منح الصلاحيات الاستنسابية لمصرف لبنان.
ترجيح إهمال المحاكم الأوروبية المفعول الرجعي للقانون والتعامل معه كـ«غشّ ضدّ المودع»


على أي حال، جرى تبرير المادة الثامنة، بأمرين:
- توفّر حماية لخروج الأموال من لبنان بفعل أي دعاوى خارجية. وبحسب مصدر في فريق العمل الحكومي فإنه من «الصحيح أننا نريد استباق الدعاوى الخارجية حتى نوقف تحويل أموال المودعين إلى الخارج في حال صدر الحكم ضدّ المصارف وفرض عليها ردّ الوديعة، وليس من أجل حماية المصارف. قد يكون هدفنا تلاقى مع مصلحة المصارف، ولكن ليس هذا الهدف».
- يوفّر حماية لنصيب المودعين في لبنان مما تبقى من أموال. فليس من العدل أن يحصل مودعون لديهم جنسية أجنبية أو مسجلون كمقيمين في بلدان أجنبية، ولديهم قدرة على رفع الدعاوى خارج لبنان والفوز فيها، أموالاً لن ينالها أي مودع في لبنان.
هل توفّر هذه المادة الحماية للمصارف؟
داخل لبنان، توفر هذه المادة الحماية بشكل قطعي، إنما في الخارج الأمر مشكوك فيه. والسؤال الذي تثيره المادة هو الآتي: هل المحاكم الأجنبية ملزمة بتطبيق القانون اللبناني؟ وهل هي ملزمة بتطبيق قانون يأتي بمفعول رجعي؟
بحسب الباحث القانوني حسين العزّي، هذه الأسئلة تحيلنا إلى الأمر الأساسي في هذه المسألة: أي قانون واجب التطبيق. فإذا كان القانون الواجب التطبيق في الخارج هو غير القانون اللبناني، عندها يصبح مفعول هذه المادة محصوراً بمنع التنفيذ، أي منع قاض لبناني من تنفيذ حكم صادر في الخارج، لكن لا يمكن منع تنفيذ حكم كهذا في الخارج. ويضيف: «يجب التوقف عند مسألة أساسية، وهي أن العقود الدولية التي تبرمها المؤسّسات والمنظّمات مثل صندوق النقد وغيرها، تمنع أي حصانة قانونية تجاه مسائل من هذا النوع. بل إن هذه العقود تتضمن تنازلاً عن السيادة القضائية للبنان، وعندها لا معنى لمنع تنفيذ الحكم في لبنان».
إذاً، المسألة كلّها محصورة بما إذا كان القانون اللبناني واجب التطبيق من قبل المحاكم الأجنبية أم لا؟
يقول محام لبناني يعمل في الخارج منذ فترة طويلة ومتخصص في هذا النوع من العقود، إن الدعاوى المرفوعة ضدّ لبنان في محاكم أوروبا تحديداً، مبنية على حقوق المستهلك التي تعطي هذه المحاكم صلاحية تجاوز ما يتضمنه العقد لجهة المحاكم الصالحة للنظر في القضية. لكن جرت العادة أن يطبق القانون اللبناني في الخارج، وخصوصاً في فرنسا. غير أن المحامي نفسه لا يستبعد عدم قبول المحاكم الأوروبية بالمفعول الرجعي لقانون الـ«كابيتال كونترول»، لا بل يوافق على أنه من المعقول اعتبار صدور هذا القانون كأنه غشّ ضد المستهلك وتلاعب بحقوقه، ولا سيما أنه في الوقت الذي رفعت فيه الدعاوى جرت تحويلات إلى الخارج. «هذا الأمر لا يمكن إسباغ الصدقية عليه من دون تحقيق جدّي حول التحويلات (الأموال المهرّبة) يفضي إلى نتائج واضحة في توزيع المسؤوليات والمحاسبة».
في ظل هذا النقاش، تبدو الحكومة بعيدة عن أهدافها الضيقة. فحتى لو أرادت حماية المصارف، ستكون مضطرة لأن تواجه قضاء حقيقياً في الخارج، وستضطر للتنازل عن السيادة القضائية في لبنان إذا أرادت توقيع برنامج مع صندوق النقد الدولي. إدراج المادة الثامنة بهذا الشكل سيلغي حقوق المودعين الذين لا قضاء آخر يلجأون إليه، وسيترك الخارج مفتوحاً على محاولة محفوفة بمخاطر الغشّ والتلاعب.



ملاحظات على القانون: سلامة يسيطر على «وحدة التحاويل»
وردت من جهات مختلفة ملاحظات على اقتراح قانون الـ«كابيتال كونترول» الذي تناقشه لجنتا المال والموازنة والإدارة والعدل اليوم، يمكن إيرادها على النحو الآتي:
- من غير الواضح إذا كانت حسابات المصارف وودائعها لدى مصرف لبنان مشمولة بهذا القانون، حيث يفترض أن تحظر تحاويل الحسابات والتحاويل إلى الخارج وسحوبات الأوراق المالية.
- يحصر القانون صلاحية وضع الشروط والحدود على سحوبات الليرة اللبنانية بقرار من المجلس المركزي في مصرف لبنان بموافقة وزير المالية، بينما يفترض أن تحدد الشروط والحدود المذكورة بموجب مرسوم في مجلس الوزراء كونها تتعلق بحقوق أساسية للعملاء وتمسّ بمدخراتهم، ونظراً إلى الخلل الجسيم في أداء المصرف المركزي.
- يعتمد القانون سعر صرف منصّة مصرف لبنان «صيرفة» لتأمين السيولة بالليرة اللبنانية. لكن هذه المنصّة لا تعكس السعر الفعلي للعملة الأجنبية، ولا يتّسم عملها بالشفافية الكافية، كما أنها استوعبت أقل من ربع مجموع التداول اليومي لعمليّات الصرف. فيما الأجدى اعتماد سعر الصرف في السوق الحرّة ليشمل كل أنواع السحوبات بما فيها التي يجريها المودعون وفق تعاميم مصرف لبنان 151 و158 وغيرهما.
- أجرى معدّو الاقتراح تعديلاً لتضمين حقّ السحب بالعملة الأجنبية بقيمة 400 دولار حدّاً أدنى من دون أيّ ذكر لحقوق السحب بالليرة اللبنانية. لذا، يفترض تحديد حقوق السحب بالليرة، سواء وردت في التعميم 158 أو لم ترد، وإعطاء هذه السحوبات صفة التلقائية فيحظر على المصارف فرض شروط خاصة بها قد تعرقل إجراءها.
- لا يتطرق القانون إلى القيود المفروضة على الأموال التي يحتمل أن يحصل عليها لبنان من المؤسسات الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد، فهل تعامل كالأموال الجديدة؟ علماً بأن أحد أسباب إقرار قوانين تقييد السحوبات والتحويلات مرتبط بإساءة التصرّف بأموال هذه المؤسسات وضمان استردادها.
-في الاستثناءات المشروطة المحدّدة بنفقات التعليم والمعيشة للطلاب ونفقات استيراد مواد أوليّة ومدخلات إنتاج ضرورية ونفقات لازمة للتصدير، ونفقات الطبابة... ماذا عن النفقات اللازمة لاستيراد المواد الضرورية كالمحروقات والفيول أويل، وكيف يتم تمويل استيرادها إذا كانت السيولة المحلية غير كافية لذلك؟
- بالنسبة إلى إنشاء وحدة مركزية للتحاويل الاستثنائية إلى الخارج لدى مصرف لبنان، يمكن تضمين هذه المادة نصّاً صريحاً بأن تتمتع هذه الوحدة بالاستقلال التام عن مصرف لبنان، وأن تكون برئاسة قاضٍ.
- في ما يتعلق بآلية البتّ بطلبات التحويل الاستثنائي إلى الخارج، يجب تحديد المدّة الزمنية القصوى بين إرسال طلب التحويل بعد موافقة المصرف المعني، وبين تنفيذه النهائي من قبل الوحدة المركزية في مصرف لبنان، ضمن مهلة لا تتعدّى 10 أيام. ويجب توضيح إذا كانت الموافقة والرفض يشملان طلبات التحويل من المصارف نفسها؟
- يجب تضمين البنود المتعلقة بمراقبة حسن التنفيذ والعقوبات بنداً يشير إلى معاقبة المصارف التي تخالف أحكام السحوبات النقدية أو التحويل إلى الخارج.


ضغوط سياسية وتباين نيابي
1 - يجري الحدث عن ضغوط تُمارس على النواب للموافقة على الصيغة المُقدّمة ومن دون أي تعديل و«الانتهاء من الموضوع الثلاثاء، لوجود معلومات عن صدور أحكامٍ بحقّ مصارف لبنانية أمام محاكم أوروبية خلال الأسبوعين المقبلين». لذلك، يستعجل فريق العمل الحكومي الذي عمل على اقتراح القانون بصيغته الحالية، استباق صدور الأحكام، لإيقاف المسار القضائي وإسقاط الدعاوى.
2 – عقد يوم الجمعة الماضي اجتماع بين فريق عمل نائب رئيس الحكومة سعاده الشامي وممثلين عن صندوق النقد الدولي، قدّم خلالها الأخير ملاحظات إضافية على اقتراح القانون. وبحسب مصادر فريق العمل فقد «أدخلت هذه التعديلات على الاقتراح، لكن صندوق النقد لا يمكن أن يُعطي موافقة كاملة على قانون الكابيتال كونترول إن لم يكن ضمن خطة شاملة. لذلك من الممكن أن نُدخل أيضاً تعديلات عليه بعد صدور الخطة».
3 - حتى مساء أمس لم تكن كل المواقف من مشروع الـ«كابيتال كونترول» قد تبلورت بشكل واضح. الموقف الأكثر وضوحاً منه هو موقف التيار الوطني الحرّ الذي يشير إلى أن قانون الشامي - نحاس يضرب المودعين في عقر دارهم. ويُنقل عن حزب القوات أنه يؤيد التيار لكنه لم يعلن أي موقف بعد، بينما تدعمه حركة أمل بقوّة، ويعتقد أن «الاشتراكي» سيكون إلى جانب «أمل» في هذه المعركة. فيما موقف حزب الله يبدو غير محسوم حتى اللحظة، رغم أن لديه ملاحظات جديّة على القانون.