تشهد العلاقات بين الولايات المتحدة وأوكرانيا من جهة، وروسيا من جهة أخرى، توتّرات بلغت ذروتها قبل أيام، في الوقت الذي تُتّهم فيه موسكو بحشد قوّاتها على الحدود، في ما عدّته كلّ من كييف وواشنطن تحضيراً لغزوٍ وشيك. ومع توالي التصريحات المتضادّة، عن بعد أو عن قرب، بين الولايات المتحدة وروسيا، فقد كان من نتائجها المباشرة، إصدار موسكو أمراً بمغادرة موظفين في السفارة الأميركية لديها، قبل 31 كانون الثاني.
التقى لافروف بلينكن على هامش اجتماع «منظّمة الأمن والتعاون في أوروبا» في ستوكهولم (أ ف ب )

القرار الذي سرّع التدهور الدبلوماسي الحاصل بين البلدَين، أعلن عنه السفير الروسي لدى الولايات المتحدة، أنتولي أنتونوف، موضحاً أنّه ردٌّ على طرد الولايات المتحدة أكثر من 50 دبلوماسياً روسياً، بحلول 30 حزيران على أبعد تقدير، وفقاً لصحيفة «وول ستريت جورنال». وبحسب الصحيفة، فقد قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، خلال إفادة صحافية: «أودّ أن أؤكد أن الخيار ليس خيارنا». وأضافت: «لقد أجبرَنا شركاؤنا الأميركيون على اللعب بهذه الطريقة. لقد حاولنا منذ فترة طويلة، وبإصرار، أن نتفاوض معهم ولا نزال نوجّههم إلى نوع من الحلّ البنّاء للقضية، لكنّهم اتخذوا خيارهم».
الطرد المتبادل للدبلوماسيين قد لا يكون إلّا أول الغيث، خصوصاً أنّ وزيرَي الخارجية الأميركي والروسي تبادلا، أمس، التحذيرات من سيناريوات قد تؤدّي إلى المواجهة العسكرية. وفي هذا الإطار، رأى سيرغي لافروف، أن «سيناريو المواجهة العسكرية المرعب» بدأ بالعودة إلى أوروبا، متّهماً «حلف شمال الأطلسي»، بـ«تقريب بنيته التحتية العسكرية من الحدود الروسية». وخلال اجتماع «منظّمة الأمن والتعاون في أوروبا» في ستوكهولم، دعا لافروف الغرب إلى درس المقترحات التي ستقدّمها موسكو «في المستقبل القريب»، لمنع توسّع التحالف إلى الشرق.
دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى مفاوضات مباشرة مع موسكو


في مقابل ذلك، تحدّث أنتوني بلينكن، عن «أدلّة» تُثبت أن روسيا تعتزم القيام بـ«أفعال عدائية كبيرة ضدّ أوكرانيا»، متوعّداً بجعلها تدفع «ثمناً غالياً»، في حال نفّذت نواياها. وقال بلينكن، إثر اجتماع لـ«حلف شمال الأطلسي» في ريغا: «نحن قلقون للغاية إزاء الأدلّة التي تُثبت أنّ روسيا خطّطت لأفعال عدائية كبيرة ضدّ أوكرانيا، بهدف زعزعة استقرارها من الداخل، وكذلك عمليات عسكرية واسعة النطاق». واتّهم موسكو بحشد «عشرات آلاف (من عناصر) القوات القتالية الإضافية» قرب الحدود. وأضاف: «لا نعرف ما إذا كان الرئيس (فلاديمير) بوتين اتخذ قراراً بشأن الغزو. نعرف أنّه بصدد بناء القدرة على القيام بالغزو بسرعة، إذا قرّر ذلك». كذلك، شدّد الوزير الأميركي على أن «الدبلوماسية هي الطريقة المسؤولة الوحيدة لحلّ هذه الأزمة المحتملة»، محذّراً من أن أيّ هجوم من جانب موسكو، ستكون له «عواقب عميقة ودائمة».
لافروف التقى، لاحقاً، أنتوني بلينكن، لمدة نصف ساعة. وأكد، خلال اللقاء، أنه يريد السعي لتحقيق «توازن في المصالح». كذلك، أبلغ وزير الخارجية الروسي نظيره الأميركي بأن موسكو تحتاج إلى «ضمانات أمنية طويلة الأمد» عند حدودها، من شأنها وقف توسّع «حلف شمال الأطلسي» نحو الشرق. وفي هذا الإطار، أفادت وزارة الخارجية الروسية، في بيان، بأن لافروف حذّر واشنطن من «جرّ أوكرانيا إلى الألعاب الجيوسياسية للولايات المتحدة»، ليردّ بلينكن بالقول إن الولايات المتحدة «قلقة جدّاً بشأن خطط روسيا لشنّ عدوان جديد على أوكرانيا».
في غضون ذلك، دعا الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، إلى مفاوضات مباشرة مع موسكو. وجاءت هذه الدعوة، في الوقت الذي أعلن فيه الكرملين أن روسيا تعتبر النية التي أبدتها أوكرانيا باستعادة شبه جزيرة القرم التي ضمّتها موسكو، عام 2014، «تهديداً مباشراً» لها. وقال المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، للصحافيين: «نرى ذلك كتهديد مباشر موجّه إلى روسيا»، في إشارة إلى تصريحات كان قد أدلى بها زيلينكسي في خطاب أمام البرلمان، حيث قال إن «تحرير» القرم هو «هدف» و«فلسفة وطنية». وبينما أفيد بأن زيلينسكي كان يتحدّث عن جهود أوكرانيا على الصعيد الدبلوماسي، وليس عن تدخّل عسكري، إلّا أن بيسكوف اعتبر أنّ «مثل هذه الصياغة تعني أنّ نظام كييف لديه نيّة استخدام كلّ الوسائل، بما في ذلك القوة، للتعدّي على الأراضي الروسية».