المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري، لا تنفكّ تثبت بعد كلّ استحقاق، أنها أبعد ما يكون عن العدالة، وأن الغاية التي وجدت لأجلها، وهي طبعاً غير اكتشاف حقيقة من قتل الحريري، تبرّر الوسائل، أي وسائل!يوم أمس، لم يسمح القاضي الإيطالي نيكولا ليتييري لرئيس تحرير جريدة «الأخبار» الزميل إبراهيم الأمين، بأن ينهي ما استدعته المحكمة لأجله، أي ردّه على الاتهام الذي وجهته المحكمة إليه، من «تحقير للمحكمة» وأشياء أخرى، تتناقض مع أبسط معايير حرية التعبير، وتعود إلى زمن محاكم التفتيش.

مثل الأمين أمس أمام المحكمة من مقرّها في منطقة المونتفردي (شمالي شرق بيروت)، بالتزامن مع انعقاد الجلسة الثانية التي خصصت للاستماع إليه وإلى «شركة أخبار بيروت» في لاهاي.
وفي تفاصيل المثول، الذي انتهى بانسحاب الأمين من البثّ المباشر بعد مقاطعة ليتييري كلمته، سأل الأخير الأمين بدايةً إن كان قد فهم مضمون الاتهام الذي وجهته إليه المحكمة، فردّ الأمين بأنه لم يفهم كلّ ما جاء في النص الاتهامي. ورفض أن يوكل محامياً عنه، أو أن توكل المحكمة محامياً له.
وفي سياق الكلمة التي ألقاها، بعد أن أكد عدم رغبته في الحصول على مهلة أسبوع لدراسة الردّ على اتهامات المحكمة، أشار الأمين إلى اعتباره «المحكمة غير شرعية»، و«هي مؤسسة لم تضمن يوماً سلامة العالم»، مؤكّداً أن حضوره إلى الجلسة لم يكن بإرادته الحرّة، «بل أقرب إلى مذكّرة جلب». قارب الأمين شرعية المحكمة الدولية المنبثقة من صلاحيات مجلس الأمن الدولي، من زاوية قراراته ومواقفها الاستنسابية، لافتاً إلى أنه «على مسافة 100 كلم، توجد أرض اسمها فلسطين، لا يمكن أن يقرر شعبها مصيره ولا يتحرك مجلس الأمن لملاحقة مجرمي الحرب من الصهاينة»، سائلاً: «كيف يمكن عاقلاً أن يحترم قرارات مجلس الأمن؟... مجلس الأمن أراد من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان أن تكون أداة سياسية».

ليتييري يعتبر
أن المجازر ضد
اللبنانيين ليست من اختصاص المحكمة

ودعّم الأمين مقارنته بالعودة إلى حرب تموز 2006، حين «ارتكبت إسرائيل مجزرة أدت إلى مقتل 1200 شخص من دون محاسبة، وخلال العام الماضي ارتُكِبت مجازر مروعة طاولت لبنانيين، فقط بسبب انتمائهم الطائفي (التفجيرات الإرهابية التي طاولت الضاحية ومناطق أخرى)، مع الإشارة إلى أن القتلة يحظون بدعم أكيد من لبنان والمنطقة والعالم، الذين يدعمون المحكمة» (راجع الكلمة في مكان آخر). وسأل المحكمة: «هل تريدون أن نوافق على قرارات محكمتكم؟». كلام الأمين لم يرُق القاضي ليتييري، الذي قاطع رئيس تحرير «الأخبار» قبل أن يكمل كلمته، فأكد أن «هذه الأمور ليست من اختصاص المحكمة، والأمين رجلٌ حرّ وليست هناك مذكرة توقيف».
ولم يكد القاضي ينهي ملاحظته، حتى بادر الأمين بالتأكيد أن مقاطعة القاضي له تعزز مخاوفه، وأن «القاضي يفرض أموراً قمعية». وأبلغ ليتييري التزامه حقه في الصمت الكامل طوال فترة الإجراءات، مضيفاً: «أرفض تعيين المحكمة محامياً لتمثيلي، وسأتلو كلمتي عندما أخرج أمام وسائل الإعلام». وسرعان ما أعاد القاضي سؤال الأمين عمّا إذا كان يريد الردّ على اتهامات المحكمة والإجابة عمّا إذا كان مذنباً أو غير مذنب. ولمّا لم يجب، اعتبر القاضي أن الصمت يعني جواب الأمين بأنه «غير مذنب»، فطلب الأخير أن يغادر، إلى «بيتي لرؤية عائلتي وأولادي»، وهمّ بالخروج، من دون أن يودّع القاضي أو الحاضرين، ما دفع ليتييري إلى القول: «لم نقل حتى إلى اللقاء».
(الأخبار)