مع مرور الأسبوع الأوّل على إحكام قائد الانقلاب في السودان، عبد الفتاح البرهان، قبضته على البلد، فاضّاً الشراكة مع المكوّن المدني، لا يبدو الرجل، المستند إلى دعم خليجي - مصري و»تراخٍ» أميركي، في وارد التراجع عن إجراءاته، وإن كان مُرحّباً بجهود الوساطة المكثّفة، الأممية خصوصاً، لإيجاد مخرج ينقّح الانقلاب ولا يلغيه. ولعلّ اقتراح تعويم رئيس الوزراء المُقال، عبدالله حمدوك، لترؤّس حكومة «تكنوقراط» تحاكي تطلّعات العسكر وحلفائهم، يأتي في صلب الحراك الدولي المتنامي، والمشاركة فيه كل من الولايات المتحدة والإمارات، الساعيتين إلى تصدير مشهد يعيد الأمور، شكلياً، إلى نصابها.وفي ظلّ الغموض المحيط بالوساطات الدولية القائمة، تبرز خصوصاً الوساطة التي تقودها الأمم المتحدة عبر مبعوثها إلى السودان، فولكر بيرثيس، الذي التقى، أوّل من أمس، حمدوك، لبحث «خيارات الوساطة والخطوات التالية المحتملة»، والهادفة إلى إخراج البلد من أزمته. إعلان بيرثيس عن «جولاته الكثيرة بين الجيش ومقرّ إقامة حمدوك»، جاء في موازاة حديث مسؤولين سودانيين عن اقتراح تقدّموا به، يقضي، وفق ما نقلت عنهم «رويترز»، بتصعيد رئيس الوزراء المُقال ومنحه سلطات تنفيذية كاملة على رأس «حكومة تكنوقراط»، تشكِّل أحد أبرز شروط قادة الانقلاب. وبحسب هؤلاء، يمثّل الاقتراح المُقدَّم إلى جميع الأطراف، «التسوية الرئيسة قيد المناقشة»، ويدعو إلى إلغاء «مجلس السيادة» الخاص بتقاسم السلطة والمؤلّف من 14 عضواً، وتعيين مجلس شرَفي من ثلاثة أعضاء، على أن تتمثَّل الأحزاب السياسية والجماعات المسلّحة والجيش وشركاء في حكومة ما قبل الانقلاب، في البرلمان المقبل، ويقود الجيش مجلسَي الأمن والدفاع. وفي الإطار ذاته، أفادت وكالة «بلومبيرغ»، قبل أيّام، بأن الولايات المتحدة تعمل مع الإمارات من أجل التوسّط للتوصل إلى اتفاق في السودان يفضي إلى عودة حمدوك إلى السلطة. ونقلت الوكالة عن ديبلوماسيين أميركيين وعرب، قولهم، إن منسّق مجلس الأمن القومي الأميركي لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بريت ماكغورك، عمل عن كثب مع مستشار الأمن الوطني الإماراتي طحنون بن زايد، للتفاوض في شأن عودة حمدوك إلى السلطة. إلّا أن الرجل الذي يركن، من جهته، إلى دعم الشارع، خصوصاً بعد التظاهرات الحاشدة التي خرجت، السبت، رفضاً للانقلاب، اشترط، إلى جانب إطلاق سراح المعتقلين، العودة إلى اتفاق تقاسم السلطة الذي كان قائماً قبل الانقلاب، وهو ما لن يقبل به الجيش بأي حال. ووسط رهان العسكر على الدعم الإسرائيلي لفكّ عزلتهم دوليّاً وتسويقهم لدى الغرب، نقلت صحيفة «السوداني»، أمس، عن مصادر لم تسمّها، قولها، إن وفداً إسرائيلياً زار الخرطوم خلال الأيام الماضية، من دون أن تكشف عن طبيعة الزيارة أو الغرض منها. وجاءت الزيارة بعد أخرى أجراها نائب قائد قوات «الدعم السريع»، عبد الرحيم دقلو، إلى تل أبيب وأبو ظبي قبل أيّام من الانقلاب، وفق ما كشفت وسائل إعلام سودانية.
اشترط حمدوك لترؤّس الحكومة، العودة إلى اتفاق تقاسم السلطة الذي كان قائماً قبل الانقلاب


ميدانياً، لا يزال المشهد في شوارع الخرطوم على حاله منذ قرارات الـ25 من تشرين الأول الماضي، وسط تعطّل الحياة العامة، وإغلاق المدارس والمصارف وغالبية المؤسسات الحكومية، واستمرار انقطاع خدمات الإنترنت والاتصالات. وفي هذا الإطار، أعلنت كتلة اللجان التسييرية والتمهيدية لنقابات العاملين في الشركات المنتجة والناقلة لخام النفط في السودان مواصلة العصيان المدني في الحقول والمكاتب، رفضاً لقرارات البرهان، فيما دعت لجنة المعلمين السودانيين، في بيان، المعلمين إلى الدخول في إضراب عن العمل في جميع ولايات السودان. من جانبه، أعلن «تجمع المصرفيين السودانيين» استمرار الإضراب والعصيان في جميع المصارف. وفيما نُصبت متاريس جديدة ووُضِعت إطارات مطّاطية في شوارع الخرطوم، أنهى المحتجّون اعتصامهم في بورتسودان (شرق) بعد شهر ونصف شهر على بدئه. وقال عبدالله أبشر، أحد قادة المحتجّين المتحدّرين من قبيلة البجا، إنه «بعد مناقشات مع القادة والمنظمات الدولية والمجتمع المدني، قرّرنا رفع اعتصامنا لمدّة شهر، لمنح السلطات الوقت لتشكيل حكومة ثم لهذه الحكومة لإيجاد حلّ للشرق». وتطالب الجماعة باستبدال الحكومة المدنية بحكومة تكنوقراط، وإعادة التفاوض على أجزاء من «اتفاق جوبا» المبرم في تشرين الأول 2020.
وفي حين لا تزال غالبيّة المسؤولين المدنيين قيد الاحتجاز، أُفرج، أوّل من أمس، عن وجوه من نظام البشير، فيما أقال البرهان النائب العام، مبارك محمود، الذي أمر بالإفراج عن هؤلاء. لكنّ أنصار الحكم المدني لم يقتنعوا بقرار البرهان واعتبروا الإفراج عن المسؤولين السابقين مؤشّراً إلى رغبةٍ في العودة بالبلاد إلى زمن «الدكتاتورية والتحالف بين العسكريين والإسلاميين»، ما دفع السلطات إلى إعادة اعتقال رئيس «حزب المؤتمر الوطني» المحلول، إبراهيم غندور، إلى جانب مسؤولين آخرين.