طهران | بعد نحو أربعة أشهر من توقّف المحادثات الرامية إلى إعادة إحياء الاتفاق النووي في فيينا، تعتزم إيران والدول الأوروبية إجراء محادثات، ولكن هذه المرّة في بروكسل. الموعد الدقيق لذلك لم يتّضح بعد، بيد أن وسائل إعلام إيرانية أفادت بأنّها ستُجرى غداً الخميس، الأمر الذي نفته المتحدثة باسم مفوضية السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي نبيلة ماسارلي، مؤكّدة أن الاتحاد لم يخطّط لأيّ اجتماع يوم الخميس في بروكسل، بمشاركة مسؤولين إيرانيين. التصريحات الآنفة الذكر تزامنت مع ما قاله وزير الخارجية الإيرانية حسین أمیر عبد اللهیان، أمس، في اتّصال هاتفي مع الأمين العام للأمم المتحدة، أنتونيو غوتيريش، من أن المحادثات الأخيرة بين نائبه علي باقري ومنسّق الاتحاد الأوروبي لمحادثات فيينا النووية إنريكي مورا، كانت إيجابية، وسيواصلانها في بروكسل، الأسبوع المقبل. وهو ما جاء في وقت أشار فيه المتحدث باسم وزارة الخارجية سعيد خطيب زاده، إلى أنه خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها مورا إلى طهران، جرى الاتفاق بشأن محادثات بروكسل. وقال إن «التحدّيات والعقبات التي حالت دون توصّل ست جولات من محادثات فيينا إلى النتيجة المنشودة، ستجري مناقشتها خلال هذه المحادثات». التخبّط الذي ترافق مع الأنباء عن إجراء هذه المحادثات، ترافق مع صدور اعتراض أساسي عليها، على لسان المتحدّث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس، الذي أشار إلى أن بلاده لا تعتقد بأن من الضروري إجراء محادثات إضافية في بروكسل، قبل استئناف المحادثات غير المباشرة مع إيران في فيينا، للعودة إلى «خطّة العمل المشترك الشاملة» (الاتفاق النووي). وهو ما تكرّر، بصيغة أخرى، على لسان المندوب الروسي لدى المنظّمات الدولية، وفي محادثات فيينا، ميخائيل أوليانوف، الذي اعتبر في تغريدة على موقع «تويتر»، أن محادثات بروكسل لا يمكن أن تكون بديلاً لمحادثات إعادة إحياء الاتفاق النووي في فيينا.
في غضون ذلك، شارك عبد اللهيان في جلسة مغلقة للبرلمان الإيراني، يوم الأحد الماضي، قدّم فيها إحاطة للنواب بشأن مواصلة إيران المحادثات مع دول «1+ 4». وعقب هذه الجلسة، أبلغ عضو الهيئة الرئاسية في البرلمان، علي رضا سليمي، الصحافيين، أن عبد اللهیان «قال خلال الجلسة صراحةً، إنّ طهران ستتابع في المحادثات النووية، صيغة الإجراء مقابل الإجراء، والفعل مقابل الفعل». ونقل سليمي عن وزير الخارجية قوله إن طهران تطالب بـ«إجراء جادّ» من جانب واشنطن، لإظهار «حسن النيّة والمصداقية»، قبل المحادثات. ومن المرجّح أنه كان يقصد بذلك تحرير جزءٍ من الأرصدة الإيرانية المجمّدة. وبحسب عضو الهيئة الرئاسية في البرلمان، فإن «إيران بصدد متابعة المحادثات من حيث انسحب ترامب من الاتفاق النووي».
ويظهر إعلان طهران هذه الاستراتيجية، بالتزامن مع المعلومات التي تحدّثت عن أنّ مندوبها في محادثات بروكسل يطالب بالتخلّي عن التوافقات التي تمّ التوصّل إليها، في الجولات الستّ السابقة من المفاوضات في فيينا، أنّ الفريق الإيراني المفاوِض الجديد، يدعو إلى بدء محادثات الاتفاق النووي من نقطة الصفر. وبالتالي، يبدو أن الخلاف الأساسي مع الأطراف الأخرى الموقّعة على الاتفاق، يتمحور حول هذه النقطة. وهنا، يُطرح السؤال: «هل يجب أن تبدأ المحادثات من نقطة الصفر، فعلاً، أو يجب أن تستمر من النقطة التي انتهت عندها الجولة السادسة من المحادثات؟». ما يعزّز فكرة البدء من الصفر، هو أن حكومة إبراهيم رئيسي لا تبدي أيّ حماس لاستئناف المحادثات، بل أكثر من ذلك، يبدو أنها تعتبر أن مرور الوقت يعمل لمصلحتها، على اعتبار أن تطوير البرنامج النووي، بالتوازي مع التطوّرات الإقليمية، سيشكّلان عاملَين يسهمان في تعزيز موقفها في المحادثات، ويمهّدان لطرح الحدّ الأقصى من مطالبها.
وفي هذا الإطار، يمكن الإشارة إلى ثلاث قضايا تكتسب أهمية حيوية بالنسبة إلى طهران: الأولى، أن يتمّ رفع جميع العقوبات الأميركية، التي وُضعت بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، أكانت نووية أو غيرها. والثانية، ألّا تكون محادثات إعادة إحياء الاتفاق النووي، توطئة لممارسة واشنطن الضغط على طهران، بهدف الدخول في محادثات تتناول قضايا أخرى، بما فيها مسألة القوّة الصاروخية. والثالثة، ألّا تتكرّر تجربة انسحاب أميركا من الاتفاق، وعودة العقوبات. ومن هذا المنطلق، شدّد الرئيس الإيراني، قبل يومين، على أنه يجب على الولايات المتحدة رفع العقوبات التي فرضتها على إيران، لإثبات جدّيتها بشأن استئناف المحادثات العالقة حول الملفّ النووي. وقال، في مقابلة مع التلفزيون الحكومي، إن طهران تؤيّد محادثات «موجّهة نحو هدفٍ» مع الغرب، وهي «لم تغادر مطلقاً» طاولة المفاوضات.