نجاح "المحور الراديكالي"، المتشكّل من إيران وسوريا وحزب الله، في القتال الدائر في سوريا، يشكّل تهديداً ملموساً لإسرائيل ويفرض عليها التدخل للحؤول دونه. هذه هي أهم خلاصات التقديرات السائدة في الجيش الإسرائيلي، كما عرضها ضباط رفيعو المستوى أمام الإعلام العبري، مع إعطاء علامة "أرجحية متوسطة" للحرب مع حزب الله شمالاً العام الجاري.
فبعد تأكيد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي غادي ايزنكوت، الأسبوع الماضي، أن حزب الله هو الخطر المركزي الماثل أمام إسرائيل، أشارت المصادر العسكرية الرفيعة، في سياق كلامها حول "الفرص والتهديدات لعام 2016"، شمالاً وجنوباً، إلى أن المواجهة الشاملة مع حزب الله ستكون مغايرة عما سبق، ولم يشهد الإسرائيليون مثيلاً لها منذ ثلاثين عاماً.
«نافذة فرص» للتوصل إلى تفاهمات مع «محور سني» تقوده السعودية

والتقدير المتبلور في الجيش الإسرائيلي، كما عرضته أمس أكثر من وسيلة إعلامية عبرية، يتناول قوس التهديدات الأمنية لإسرائيل، وفي مقدمها التهديد الأخطر لحزب الله شمالاً، في الساحتين اللبنانية والسورية، وجنوباً حركة حماس في قطاع غزة وفروع "داعش" في شبه جزيرة سيناء المصرية.
وأوضحت المصادر أن الجيش يرى إمكان نشوب مواجهة شمالاً مع "الخطر الأبرز لإسرائيل، حزب الله، الذي تدعمه إيران بصورة كبيرة جداً". وبحسب المصادر العسكرية الإسرائيلية نفسها، ستكون المواجهة معقّدة جداً ومغايرة كلياً عما خبره الإسرائيليون سابقاً، ولن تقتصر تداعياتها ونتائجها على إطلاق صواريخ على الأراضي الإسرائيلية، بل ستشمل مواجهات برية وبحرية وجوية، مع استهداف المنشآت الاستراتيجية في البر والبحر، وتوجيه ضربات للسفن والبوارج الحربية الإسرائيلية.
وتشير تقديرات الجيش الإسرائيلي، كما وردت على لسان المصادر، إلى أن المواجهة الشاملة المقدرة مع حزب الله، في حال نشوبها، ستشهد حوادث غير مسبوقة من جهة إسرائيل، إذ ستسقط طائرات حربية إسرائيلية، وسيقع عدد كبير من الجنود أسرى لدى الحزب، فيما سيُغلق مطار بن غوريون في اللد بشكل كامل. ولن تنتهي المواجهة والعمليات العسكرية في أيام معدودة، بل ستمتدّ إلى زمن غير محدود.
ووزعت المصادر العسكرية تقديراتها للحرب المقبلة على دائرتين: دفاعية وهجومية. في الدائرة الأولى، تشير تقديرات الجيش إلى أن حزب الله عمد إلى تهيئة الأرض ميدانياً، في الجنوب اللبناني، لخوض مواجهات غير مسبوقة ضد الوحدات العسكرية الإسرائيلية، وحوّل القسم الأكبر من القرى والبلدات في جنوب لبنان إلى مراكز عسكرية كبيرة جداً. أما في الدائرة الهجومية، فيوظّف الحزب جهوداً أكبر في مجال دقة الصواريخ وحجم الرؤوس الحربية لهذه الترسانة، ويعمل على قلب المعادلة التي اعتاد الجيش الإسرائيلي خوضها مع أعدائه، وهو سيعمد إلى "نقل المعركة إلى أراضينا".
وحذّر التقدير العسكري الإسرائيلي، إن خيضت المواجهة البرية مباشرة مع حزب الله، من أنفاق حفرها الحزب، سواء داخل الأراضي اللبنانية، أو تلك تخرق الحدود وتوصل عناصره مباشرة إلى الأراضي الإسرائيلية. أما لجهة "الانشغال" بالقتال في سوريا، فتلفت المصادر العسكرية الإسرائيلية إلى أن هيكلية قوة الحزب مخصصة تحديداً كي تكون الوجهة نحو إسرائيل، الأمر الذي يفسر أن سلم أولويات قواته هو الانتشار في مقابل الحدود الإسرائيلية، وذلك كله قبل انشغاله وخوضه القتال في الميدان السوري.
وكالعادة، هددت المصادر العسكرية الإسرائيلية، رداً على هذه التهديدات، أن الجيش الإسرائيلي سيعمد إلى ضرب القرى والبلدات اللبنانية. لكنها تفادت الإشارة إلى الإعداد العسكري لمواجهة هذه التهديدات، وما يمكن أن تشهده المعركة العسكرية التي وصفتها بـ "غير المسبوقة في حروب إسرائيل في العشرين أو الثلاثين عاماً الماضية".
أما لجهة أرجحية نشوب الحرب، فيشير التقدير الإسرائيلي إلى أن اندلاع الحرب في العام الجاري ما زال منخفضاً، لكن "حادثاً خطيراً" على الحدود قد يؤدي إلى تصعيد أمني ومواجهة واسعة، الأمر الذي يدفع الجيش إلى إعطاء علامة "أرجحية متوسطة" للحرب، بسبب الحساسية القائمة على طول الحدود، ولا سيما في الشمال، وتدحرج حادث ما إلى مواجهة أوسع.
وفي ما يتعلق بالساحة السورية، يحذر التقدير العسكري الإسرائيلي من أن مجريات المعركة الدائرة هناك تشير إلى إمكان إلحاق هزيمة بتنظيم "داعش"، الأمر الذي يعني "نجاح المحور الراديكالي المتشكل من إيران وسوريا و(الرئيس السوري بشار) الأسد وحزب الله". وبحسب الضباط الإسرائيليين، فإن "هذه النتيجة غير جيدة لإسرائيل، وهي تفرض عليها أن تتدخل كي تحرف الأمور عن مقاصدها وتدفع إلى تغيير النتيجة".
كذلك، يحذر التقدير الإسرائيلي، من وجود تقارب بين الولايات المتحدة وروسيا حول سوريا، ما يعني أن في الإمكان التوصل إلى تفاهم مشترك مع الدول الأوروبية في ما يتعلق بهذا البلد. لكنه يشير إلى أن "هذا التفاهم قد يفضي إلى هدوء ما، فيما المسافة التي تفصلنا عن انتهاء الحرب السورية لا تزال بعيدة".
وعن العلاقات والمصالح المشتركة مع "الدول العربية المعتدلة"، يشير التقدير إلى تبلور "محور سني" تقوده المملكة العربية السعودية، وهناك "نافذة فرص" يمكن إسرائيل التوصل من خلالها إلى اتفاقات أو تفاهمات، أو حتى تشكيل جبهة ضد "الإرهاب الإسلامي من حولنا".
وفي ما يتعلق بالأراضي الفلسطينية المحتلة، وتحديداً الضفة الغربية، حذر التقدير الإسرائيلي من إمكان "تصعيد أمني ما" مع الفلسطينيين، إلا أن "ما يكبح ذلك هو المسألة الاقتصادية التي يعاني منها الفلسطينيون، وتنسيق الجيش والأجهزة الأمنية الإسرائيلية مع الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، والذي يعد مدماكاً أساسياً في العلاقات مع الجانبين، ومن شأنه أن يحول دون المواجهة". وحذر من اليوم الذي يلي غياب رئيس السلطة محمود عباس، والخشية في الجيش الإسرائيلي من سيطرة حركة حماس على الضفة الغربية في أعقابه.
أما لجهة قطاع غزة، فيشير التقدير العسكري الإسرائيلي إلى "صراع عنيف" بين الجناح العسكري لحركة حماس، الذي يريد الدعم الاقتصادي الإيراني، والجناح السياسي بقيادة (رئيس المكتب) خالد مشعل الذي يريد التقارب مع السعودية و"محور الاعتدال". وبحسب تقديرات الجيش الإسرائيلي، إن مستوى الردع ضد حركة حماس قائم ولم يتغير، الأمر الذي يدفعها إلى الامتناع عن التصعيد ضد إسرائيل، رغم أنها مستمرة في بناء قوتها العسكرية من خلال تطوير الصواريخ وحفر الأنفاق.